للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد أبدع إمامُ الحرمين في بيان وجه عدم الإمساك عن تفصيل التأويل إذ قال: "إن كلَّ مؤمنٍ مجمعٌ على أن لفظةَ الاستواء ليست على عُرفها في الكلام العربي، فإذا فعل ذلك فهو قد فسَّر لا مَحالة (يعني حيث لم يحمل اللفظ على ظاهر معناه)، فلا فائدةَ في تأخيره عن طلب الوجه والمخرج البين، بل في تأخيره عن ذلك إلباسٌ على الناس وإيهام للعوام". (١) وقال الغزالي: "لا خلافَ في وجوب التأويل عند


(١) لم أجد هذا الكلام فيما اطلعتُ عليه من مؤلفات الجويني (الشامل والإرشاد والعقيدة النظامية والبرهان والكافية)، ولا فيما ترجم له به السبكي في طبقات الشافعية، ولا فيما تيسر لي الاطلاعُ عليه من التفاسير، وعسى أن يتاح لنا كشف اللثام عن مصدره في قادم الأيام. ولكن هناك نصوصًا معرِبة عن رأي هذا الإمام في مسألة التأويل عامة، وفي معنى استواء الله على العرش خاصة، نجتزئ ببعضها هنا. قال بعدما ذكر أن الاستواء بمعنى الغلبة وما أُورد عليه من اعتراض: "فإن قيل: هلَّا أجريتم الآيةَ على ظاهرها من غير تعرض للتأويل، مصيرًا إلى أنها من المتشابهات التي لا يَعلم تأويلَها إلا الله؟ قلنا: إن رام السائلُ إجراءَ الاستواء على ما ينبئ عنه في ظاهر اللسان، وهو الاستقرار، فهو التزام للتجسيم، وإن تشكك في ذلك كان في حكم المصمِّم على اعتقاد التجسيم. وإن قطع باستحالة الاستقرار، فقد زال الظاهر، والذي دعا إليه من إجراء الآية على ظاهرها لم يستقم له. وإذا أُزيل الظاهرُ قطعًا، فلا بدَّ بعده من حمل الآية على مَحْمَلٍ مستقيم في العقول، مستقرٍّ في موجب الشرع. والإعراضُ عن التأويل حذارًا من مواقعة محذور في الاعتقاد يجر إلى اللبس والإيهام، واستزلال العوام، وتطرق الشبهات إلى أصول الدين، وتعريض بعض كتاب الله تعالى لرجم الظنون". الجويني، إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف: الشامل في أصول الدين، نشرة بعناية عبد الله محمود محمد عمر (بيروت: دار الكتب العلمية، ١٤٢٠/ ١٩٩٩)، ص ٣١١ - ٣٣٠؛ كتاب الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، تحقيق أسعد تميم (بيروت: مؤسسة الكتب الثقافية، ١٤١٦/ ١٩٩٦)، ص ٦٠. كما نقرأ له في البرهان: "اعلم أن البيان لا يسوغُ تأخيرُه عن وقت الحاجة، والمعنِيُّ به توجُّهُ الطلب التكليفي. فإذا فرض ذلك استحال أن يُؤَخَّر بيانُ المطلوب، ولو فرض ذلك لكان مقتضيًا تكليفَ ما لا يُطاق، وقد سبق القولُ في استحالته". البرهان في أصول الفقه، تحقيق عبد العظيم محمود الديب (المنصورة/ مصر: دار الوفاء، ١٤١٢/ ١٩٩٢)، ج ١، ص ١٢٨. ويبدو أن المصنف عليه رحمة الله جمع بين أكثر من كلام للجويني في مساق واحد، والله أعلم.
استدراك: لعل المصنف نقل كلام إمام الحرمين من تفسير ابن عطيه (المحرر الوجيز) ٤/ ٣٧، فقد ذكره باللفظ الوارد أعلاه. (الناشر).
استدراك: تبيّن لي خلال المراجعة الأخيرة لهذه الجمهرة أن الكلام المنسوب إلى أبي المعالي الجويني إنما نقله المصنف عن ابن عطية. ابن عطية الأندلسي، القاضي أبو محمد عبد الحق بن غالب: =

<<  <  ج: ص:  >  >>