للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعيين شبهةٍ لا ترتفع إلا به". (١)

وتُسَمَّى هذه الطريقةُ طريقةَ الخلف، وهي الطريقةُ المثلى المناسبة لِما عدا القرون الثلاثة الأولى، ومن ثم قال بعض العلماء: "طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم (وأحكم) ". (٢) ومعنى هذا الكلام - فيما أفهم أنا - أن السلفَ أرشدوا إلى تطلب السلامة من الخوض في مثله خشيةَ قصور الأفهام والتورط في الشك. فلما لم ينصعِ الناسُ إلى نصحهم وأبَوْا إلا السؤالَ وإدخالَ الشك، تعين سلوكُ طريقة الخلف فهي أعلم، أي: أدخلُ في العلم، أي: أكثر علمًا؛ لأن بيان التأويل وتفصيلَه يكثر فيه الاحتياج إلى الاستدلال بالعلم والقواعد. وكلتا الطريقتين طريقةُ هدى يسع المسلمَ سلوكُها. قال ابن السبكي في خاتمة جمع الجوامع: "وما صح في الكتاب والسنة من الصفات نعتقد ظاهرَ المعنى، وننزه عند سماع المشكل. ثم اختلف أئمتُنا أنُؤَوِّل أم نفوض منزهين، مع اتفاقهم على أن جهلنا بتفصيله لا يقدح". (٣)


= المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق عبد السلام عبد الشافي محمد (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٢٢/ ٢٠٠١)، ج ٤، ص ٣٧.
(١) انظر: تفسير الآلوسي (روح المعاني) ٨/ ٤٧٢، تفسير سورة طه.
(٢) على الرغم من شيوع هذه المقولة، إلا أني لم أتمكن من تحديد نسبتها. ولكن يمكن الرجوع إلى ما كتبه ابن خلدون عن تمايز الطرق والمناهج في دراسة مسائل العقيدة وعرضها والاحتجاج لها، ووصفه لما ما جرى به تطور علم الكلام وخاصة على طريقة الأشعري، وما أدخله بعضُ أتباعه من أساليب أصبحت علامات فارقة بين ما وُصف بطريقة المتقدمين وطريقة المتأخرين، وإن كان سياق التمييز بين هاتين الطريقتين في علم الكلام غير سياق المقولة المذكورة من مقابلة بين طريقة السلف التي تتحاشى عن التأويل وطريقة الخلف التي تجري عليه. ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد: مقدمة ابن خلدون، تحقيق درويش الجويدي (صيدا/ بيروت: المكتبة العصرية، ١٤١٦/ ١٩٩٦)، ص ٤٢٩/ ٤٣٧.
(٣) البناني المغربي، عبد الرحمن بن جادالله: حاشية العلامة البناني على شرح الجلال المحلي على متن جمع الجوامع، تحقيق محمد عبد القادر شاهين (بيروت: دار الكتب العلمية، ١٤١٨/ ١٩٩٨)، ج ٢، ص ٦٢٧ - ٦٢٨. وللإمام الماتريدي في هذا الصدد تقريرٌ نفيس يجدر جلبه هنا. قال أثناء تفسيره للآية محل البحث بعد أن ذكر مختلف الأقوال في معنى الاستواء: "والأصلُ عندنا في ذلك أن الله - عز وجل - قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، فنفى عن نفسه شبه خلقه. وقد بينا أنه في فعله =

<<  <  ج: ص:  >  >>