أجمع، كما قال الله تعالى:{وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة: ٣٢]؛ لأن الناس إن اطرد بينهم القضاء بالحق زالت طماعيتُهم في استلاب حقوق الغير، فاستقاموا من تلقاء أنفسهم متى علموا أن لا غاية يجتنونها من وراء الظلم.
فأما متى كان القضاء مختلًّا، فإن للظالم أمنيةَ الانزواء تحت التخفيف. هب أن الجور كان يقضي أن يشدد على البريء تارة، فإن ذلك لا يرفع المظالم؛ لأن النفوس عند الشهوات تتمسك بالطمع، ولهذا حظرت الشريعةُ الشفاعةَ لِمَنْ بلغ الإمامَ في الحدود وغيرها. وجاء بكلمة "تداوى" ترشيحًا للاستعارة وإيماءً إلى وجه الشبه، إذ كانت الاستعارةُ من الغرابة بالمكان الذي ربما أَبْهم أمرَها على السامع.
• "فإن كنتَ تُبرئ": طرد الاستعارة، ومن محاسن التشبيه أن يكون مطردًا في جميع أصوله وفروعه. وأراد بكونه يبرئ المقدرةَ على إصابة الحق، وحملَ الناس عليه بتنفيذه فيهم، وتحملَ مصاعب القضاء التي أقلُّ ما فيها أنه يقضي على ذويه وأصحابه وهو كاره وهم كارهون. قال الباجي:"يريد بالإبراء هنا إصابةَ الحق ودفعَ الباطل؛ لأن الباطل [وما يتضادُّ به الشرعُ] هو الداءُ الذي يَسْأل عنه المستفتي لإزالته". (١)
• "فنعمَّا لك": نعم فعل غير متصرف عند محققي النحاة، وتدخل عليها "ما" التي هي في الأصل معرفة غير موصولة هي بمعنى الشيء، فتدغم ميم "نعم" في ميم "ما". والغالب أن يقع بعدها ضميرٌ مخصوص بالمدح، نحو قوله تعالى:{فَنِعِمَّا هِيَ}[البقرة: ٢٧١]، فإن وقع فعل بعد "ما" صارت موصولة، نحو:{إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ}[النساء: ٥٨]، فلا يُذكر بعدها مخصوصٌ بالمدح استغناءً عنه بما أشعر به من الكلام. وإذا وقع بعد "ما" حرفُ جر، كما هنا، صح أن يُجْعَلَ صلة "ما" أو صفةً لها، أي نعم الشيء لك أو نعم الذي لك. وفي الحديث: "بئس ما لأحدهم أن يقول: نَسِيتُ آية