للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدمنا في الكلام على الرواية الأولَى قولَهم في حفص بن سليمان: إنه متروك الحديث، وفي كثير بن شنظير: إنه مُخْتَلَفٌ في قبوله.

وأما ضعفُه من جهة المعنى، فجزؤه الأول تقدم الكلامُ عليه، وجزؤه الثاني مختلُّ المعنى، إذ المقصود منه التحذيرُ من وضع العلم عند غير أهله وتشنيعُ ذلك الوضع. ولا سبيلَ إلى معرفة أهلية طالب العلم لوضع العلم عنده حتى يُحذر منه، على أنه لا يلاقي صدرَ الحديث القاضي بأن طلبَ العلم فريضة على كل مسلم. فكأنَّ صدرَه يأمر بطلب العلم، وعجزه يأمر بإمساك العلم عَمَّنْ ليس له بأهل، فينفتح بابٌ عظيم لإمساك العلم بانفتاح باب النظر في أهلية الطالب وعدمها.

الرواية الثالثة: "طلب العلم فريضة على كل مسلم، وإنَّ طالبَ العلم ليستغفر له كلُّ شيءٍ حتى الحيتان في البحر". قال السيوطي في الجامعين: "رواه ابن عبد البر في كتاب فضل العلم عن أنس". (١) قال المناوي في شرح الجامع: "رُوِي عن أنس من وجوه كثيرة كلها معلولة [لا حجةَ في شيء منها] ". (٢)

وضعفه من جهة المعنى في جزئه الأول تقدم الكلام عليه. أما قوله: "وإن طالب العلم ليستغفر له كل شيء" إلخ، فلا يشبه أن يكونَ من كلام النبوة لركاكاته، فإن أكثر البشر لا يستغفرون لطالب العلم، وأي معنى لاستغفار الحيوان والحيتان، وعهدنا أن الصالحين يستغفر لهم الملائكة؟ قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} [غافر: ٧] , فلا تنزل درجةُ طالب العلم إلى أن يستغفر له الحيتان!


(١) ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله، الحديث ١٤، ص ١٥.
(٢) المناوي: فيض القدير، ج ٤، ص ٢٦٨. وما بين الحاصرتين لم يورده المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>