للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأممُ البائدة. وفي حديث البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "سألت ربي أن لا يهلك أمتي بعذاب من فوقهم أو من تحت أرجلهم، فاستجاب لِي. وسألته: أن لا يلبسهم شيعًا ويذيق بعضَهم بأسَ بعض، فلم يستجبْ لِي". (١)

وفي الصحيح أنه لمَّا نزل قولُه تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: ٦٥]، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعوذ بوجهك"، قال: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}. قال: "أعوذ بوجهك". {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا أهون، أو هذا أيسر". (٢) فالرسول - عليه السلام - حريصٌ على أن لا يصيب الأمةَ شيءٌ يستأصلها؛ لأن ذلك يقطع أعظمَ شيء عند الرسول وهو توحيدُ الله وعبادته. ألا ترى قوله يوم بدر وهو في العريش: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض"؟

وذلك أن الأمم الماضية أصابهم الاستئصالُ بأنواع المهلكات، من نحو الغرق لقوم نوح، والريح لعاد، والخسف لأهل سدوم، والصاعقة لثمود، وسيل العرِم لسبأ، والصيحة لمدين، فباد جمعهم وهلكوا، والاستئصال بالسيف لبني إسرائيل


(١) لَم أجده في صحيح البخاري، لا بهذا اللفظ ولا بغيره، وليس موجودًا به عند غيره، وقد سبق في معنى ما ذكره المصنف ما جاء في حديث ثوبان. والأقرب إلى ما ساقه المصنف هو ما رواه مسلم قال: "حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن نمير، وحدثنا ابن نمير (واللفظ له)، حدثنا أبي، حدثنا عثمان بن حكيم، أخبرني عامر بن سعد عن أبيه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل ذات يوم من العالية، حتى إذا مر بمسجد بني معاوية، دخل فركع فيه ركعتين، وصلينا معه، ودعا ربه طويلًا. ثم انصرف إلينا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "سألت ربي ثلاثًا، فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة: سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها"". صحيح مسلم، "كتاب الفتن وأشراط الساعة"، الحديث ٢٨٩٠، ص ١١٠٧. وقريب منه ما أخرجه الترمذي: سنن الترمذي، "كتاب الفتن"، الحديث ٢١٧٥، ص ٥٢٤.
(٢) صحيح البخاري، "كتاب التفسير"، الحديث ٤٦٢٨، ص ٧٩٢؛ وكذلك "كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة"، الحديث ٧٣١٣، ص ١٢٥٩ و"كتاب التوحيد"، الحديث ٧٤٠٦، ص ١٢٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>