للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا يكون موقعُ قوله: "ليس منهم" و"ليس منا" ونحوه، كموقع قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يزنِي الزَّانِي حين يزنِي وهو مؤمن". (١)

التأويل الثاني - وهو التحقيق - أن نعدلَ عما سلكوه من اعتبار لفظ "فليس منا" ونحوه مستعْمَلًا في كلام العرب للنفي من النوع، بل إن العربَ لا يستعملونه إلا استعمالًا شبيهًا باستعمال المثل بلازم هذه الصيغة. فهو خبرٌ مستَعْمَلٌ في معنى الغضب على المخْبَر عنه، وإيذانه بالسخط والقطيعة. وقد تكرر هذا الاستعمالُ في كلام العرب، قال النابغة يحذر عُيَيْنَةَ بن حصن من الغدر ببني أسد:

إِذَا حَاوَلْتَ فِي أَسَدٍ فُجُورًا ... فَإِنِّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي (٢)

فإنه لو حُمِل على المعنى الأصلي لكان تحصيلَ حاصل، إذ ليس عيينةُ بن حصن ببعض من النابغة. وقال بعضُ العرب:

أَيُّهَا السَّائِلُ عَنْهُمْ وَعَنِي ... لَسْتُ مِنْ قَيْسٍ وَلَا قَيْسٌ مِنِي (٣)


(١) صحيح البخاري، "كتاب المظالم"، الحديث ٢٤٧٥، ص ٤٠٠؛ "كتاب الأشربة"، الحديث ٥٥٧٨، ص ٩٩١؛ "كتاب الحدود"، الحديث ٦٧٧٢، ص ١١٦٨؛ "كتاب المحاربين"، الحديث ٦٨١٠، ص ١١٧٣؛ صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديثان ١٠٠ و ١٠٤، ص ٤٥ - ٤٦. قال المازري في شرح الحديث المذكور: "قيل: معنى مؤمن، أي آمِنٌ من عذاب الله، ويحتمل أن يُحملَ على أن معناه: أن يكون مستحِلًّا لذلك. وقد قيل: معناه أي كامل الإيمان. وهذا على قول من يرى أن الطاعات تسمى إيمانًا. وهذه التأويلاتُ تدفع قولَ الخوارج إنه كافر بزناه، وقولَ المعتزلة إن الفاسق الملي لا يُسمى مؤمنًا، تعلقًا من الطائفتين بهذا الحديث. وإذا احتمل ما قلناه لم تكن لهم فيه حجة". المازري، المعلم بفوائد مسلم، تحقيق محمد الشاذلي النيفر (بيروت: دار الغرب الإسلامي، ١٩٩٢)، ج ١، ص ١٩٧.
(٢) ديوان النابغة الذبياني، ص ١٢٧ (نشرة محمد أبو الفضل إبراهيم) وص ٢٥٣ (نشرة ابن عاشور). والبيت من قصيدة من بحر الوافر قالها النابغة حين قتلت بنو عبس نضلةَ الأسدي، وقتلت بنو أسد منهم رجلين، فأراد عيينةُ عونَ بني عبس بإخراج بني أسد من حلف بني ذبيان.
(٣) قوله: "وعني" يُقرأ بتخفيف النون للضرورة، وكذلك نون "مني". - المصنف. هذا البيت استشهد به ابن هشام في باب الضمير من شرحه على الألفية. وفي نسبته قال محقق الكتاب ما يأتي: =

<<  <  ج: ص:  >  >>