فالاجتهاد منه فرض كفاية، وهو وجود طائفة من علماء المسلمين المتأهلين للتفقه في الدين لينظروا في تحصيل الأحكام الشرعية للمسلمين بالتأييد والتنقيح لما مضى من آراء علمائهم، والاستنباط لما يجد من الحوادث بأن يكون في كل صقع من أصقاع الإسلام (في الأبعاد التي يتيسر اتصال أهلها بعضهم ببعض) واحد أو عدة من العلماء بالشريعة المطلعين على نصوصها وعلى نظائر مدلولات تلك النصوص وعلى مقاصد الشريعة وعلى أحوال كل المسلمين على اختلاف الأصقاع والحاجات بتعيين أحكام لها لا تخالف نصوص الشريعة ولا ظواهرها المتكاثرة الدالة على معنى واحد يقرب من القطع ولا تخرج عن مقاصها المستقرأة من تصرفاتها المختلفة.
وهذا مقام صعب يضطلع به المنقطع إليه الخبير بمعانيه، ذو الفطنة الذهنية والكفاءة العلمية.
ومن الاجتهاد فرضُ عين، وهو على كل عالم بلغ في علوم الشريعة وفهم الكتاب والسنة مبلغًا يأنس فيه من نفسه الصلاحية لاستنباط الأحكام الشرعية وأقوال أئمة الدين، وترجيح بعض أقوالهم على بعض. فإذا بلغ هذا المبلغ ثبتت استطاعته للاجتهاد، فوجب عليه لقوله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن: ١٦].
وأما تحقق أهلية العالم للاجتهاد فيحصل للناس باشتهار العالم بعلم الشريعة وعدالته وشهادة أهل العلم له بتلك الأهلية. وتحصل هذه المعرفة للخاصة بيقين أو غلبة ظن، وتحصل للعامة بغلبة الظن الحاصل من قصد المتحرين في الدين أحدًا لاستفتائه في الدين.