للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان العربُ قد ادَّعَوْا لأنفسهم علومًا وهمية، منها الطيرة والفأل والزجر والعيافة والرقى والسُّلوان. (١) وكذبوا أكاذيب أشاعوها بين الناس، من دعوى تعرض الغول لهم في أسفارهم، وخروج طائر من دم قتيل يسمى الهامة، ومحادثتهم مع الجن، وغير ذلك.

وحاصلُ هذه العلوم أنها استخراجُ معان دالة على وقوع حوادث مستقبلية للعامة أو الخاصة، تُستخرَج من أحوالٍ تبدو من حركات الطير أو الوحش ومرورها ونزولها، أو من أقوال تَقرَعُ السمعَ على غير ترقب، أو من مقارنات بين الأشياء وملازمات للأشياء. ويجعلونها كالمقصود من تلك الأشياء، مثل تشاؤمهم بالهام، وهو ذكر البوم؛ لأنه يألف الخرابَ والمقابر ويصيح كالناعي، فجعلوه علامةً على الخلاء. وإن دلت عندهم على معان حسنة تفاءلوا بها، مثل أن يمر بالمسافر من جانبه الأيمن بقرةٌ وحشية سليمة القرن.

وبعضُ هذه المعلومات تبلغ من الشهرة عندهم إلى حد أن يستويَ الناسُ في استطلاعها، وبعضها يتركب من أحوال كثيرة، أو يحتاج إلى دقائق، فيحتاج العامةُ إلى عرضها على أهل المعرفة. والعارف بدقائق ذلك يُدعى العرَّاف، وقد اشتهر أهلُ اليمامة وأهلُ نجد بعرافيهم، (٢) واشتهرت بنو لهب - قبيلة من الأزد - بالزجر والعيافة.


(١) السُّلوان: ماءٌ كانوا يوعمون أن العاشقَ إذا شربه سلَا عن حبه، أي نَسيَه وطابت نفسُه بعد فراقه. ومنه السُّلوانة: خَرَزَةٌ كانوا يزعمون أنه إذا صُبَّ عليها ماءُ المطر فشربه العاشِقُ سلا.
(٢) قال عروة بن حزام:
بَذَلْتُ لِعَرَّافِ الْيَمَامَةِ حُكْمَه ... وَعَرَّافِ نَجْدٍ إِنْ هُمَا شَفَيَانِي
- المصنف. والبيت من بحر الطويل ويتلوه ثان لفظه:
فَقَالَا: شَفَاكَ الله! وَالله مَا لَنَا ... بِمَا حَمَلَتْ مِنْكَ الضُّلُوعُ يَدَانِ
أما ما طلب الشاعر الرقية منه فهو الحب. وعراف اليمامة هو رباح بن عجلة، وعراف نجد هو الأبلقُ الأسدي. وقد ذكر ابن خلدون البيتين دون نسبة، وجاء عنده البيت الأول بلفظ "جعلت" بدل "بذلت". مقدمة ابن خلدون، ص ١٠٤. ويروى البيتان ضمن مقطوعة مع اختلاف في بعض الألفاظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>