أضاء على العرب وهم في ظلمات الجاهلية نورٌ بزع وفجرٌ سطع، وهو نورُ الإسلام الذي جاء لإنقاذ البشرِ كلِّهم من ظلمات الأوهام والزيغ. فطلعت شَمسُه على العرب مثل كل الأمم، فأنحى على عقائد العرب الضالة. وحسبُك أن الله تعالى وصف الاعتقادَ بالباطل بأنه اعتقاد الجاهلية، إذ قال:{يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}[آل عمران: ١٥٤].
فكان أولُ ما دعاهم الإسلامُ إليه صحةَ الاعتقاد المستتبع تصحيحَ التفكير، فدعاهم إلى صحة الاعتقاد في ذات الله وصفاته، ثم إلى نبذ سفاهة الأحلام في هذه الأوهام. وقد تكرر ذلك في القرآن: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠)} [الأنعام: ١٤٠]. (١) وأرشدهم إلَى أنَّ ما لَا دليلَ عليه من وحيٍ أو عقلٍ يقبُح تقلُّدُه، فقال القرآن فيهم: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦٨) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠)} [يونس: ٦٨ - ٧٠].
ومن الضلالات التي اعتقدها العربُ اعتقادُ أن شهرَ صفر شهرٌ مشؤوم. وأصل هذا الاعتقاد نشأ من استخراج معنى مما يقارن هذا الشهر من الأحوال في الغالب عندهم، وهو ما يكثر فيه من الرزايا بالقتال والقتل. ذلك أن شهر صفر يقع بعد ثلاثة أشهر حرم نَسْقًا، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم. وكان العربُ يتجنبون القتالَ والقتلَ في الأشهر الحرم؛ لأنها أشهرٌ أمن الله، قال الله تعالى:{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ}[المائدة: ٩٧]، فكانوا يقضون الأشهرَ
(١) أشارت الآية إلى وأد البنات، وإلى تحريمهم بعضَ الأنعام على أنفسهم، كما قال تعالى: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ} [الأنعام: ١٣٨]. - المصنف.