للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحرم على أحن (١) من تطلب الثأرات والغزوات وتشتت حاجتهم في تلك الأشهر. فإذا جاء صفر بادر كلُّ مَنْ في نفسه حنقٌ على عدوه فثاوره، (٢) فيكثر القتل والقتال. ولذلك قيل إنه سمي صفرًا؛ لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل، فيتركون مَنْ لَقُوه صِفْرًا من المتاع والمال، أي خلوًا منهما. قال الذبياني يحذر قومه من التعرض لبلاد النعمان بن الحارث ملك الشام في شهر صفر:

لَقَدْ نَهَيْتُ بَنِي ذُبْيَانَ عَنْ أُقُرٍ ... وَعَنْ تَرَبُّعِهِمْ فِي كُلِّ أَصْفَارِ (٣)

ولذلك كان مَنْ يريد العمرةَ منهم لا يعتمر في صفر؛ إذ لا يأمن على نفسه. فكان من قواعدهم في العمرة أن يقولوا: "إذا برأ الدبر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر، حلت لمن اعتمر"، (٤) على أحد تفسيرين في المراد من صفر، وهو التأويل الظاهر.

وقيل أرادوا به شهرَ المحرم، وأنه كان في الجاهلية يسمى صفرًا الأول، وأن تسميته محرمًا من اصطلاح الإسلام، وقد ذهب إلى هذا بعضُ أئمة اللغة. وأحسب أنه اشتباه؛ لأن تغيير الأسماء في الأمور العامة يُدخِلُ على الناس تلبيسًا لا يقصده الشارع، ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمَّا خطب في حجة الوداع فقال: "أي شهر هذا؟ ، قال الراوي: فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس ذا الحجة؟ "، ثم


(١) على أحن: على حقد وضغن.
(٢) أي ساوره وواثبه.
(٣) أُقُر- بضم الهمزة وضم القاف - اسم جبل، وبجانبه واد يقال له ذو أقر. وهو مراد النابغة، فحذف ذو. وهو واد لبني مرة، وكانت ذبيان نزلت به بعد إغارتهم على بلاد الشام. والتربع الإقامة في الربيع لأجل المرعى. ومراده "بكل أصفار" في كل شهر صفر من كل عام؛ لأنهم يتعرضون لغارة النعمان بن الحارث. - المصنف. ديوان النابغة الذبياني، ص ٧٥ (نشرة محمد أبو الفضل إبراهيم) وص ١٢٠ (نشرة ابن عاشور). والبيت هو طالعُ قصيدة من البحر البسيط قالها النابغة بعد موت النعمان بن الحارث يصف فيها ما حصل لقومه بني ذبيان في وادي ذي أُقُرٍ على يدي عمرو بن الحارث أخي النعمان لعدم سماعهم نصيحة النابغة.
(٤) وكانوا لا يعتمرون في أشهر الحج، بل يرجعون إلى آفاقهم ثم يخرجون معتمرين. - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>