للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر في أثناء الخطبة الأشهر الحرم فقال: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان". (١) فلو كان اسم المحرم اسمًا جديدًا لوضحه للحاضرين الواردين من الآفاق القاصية. على أن حادثًا مثل هذا لو حدث لتناقله الناس، وإنما كانوا يطلقون عليه (٢) وصفرَ لفظَ الصَّفَرَيْنِ تغليبًا.

فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التشاؤم بصفر، روى مسلم من حديث جابر بن عبد الله وأبي هريرة والسائب بن يزيد - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا عدوى، ولا صفر". اتفق هؤلاء الأصحابُ الثلاثة على هذا اللفظ، وفي بعضهم زيادة: "ولا هامة ولا غول ولا طيرة ولا نوء". (٣)

وقد اختلف العلماءُ في المراد من صفر في هذا الحديث، فقيل أراد الشهر، وهو الصحيح. وبه قال مالك، وأبو عبيدة معمر بن المثنى. وقيل أراد مرضًا في البطن سُمِّيَ الصفر، كانت العرب يعتقدونه معديًا، وبه قال ابن وهب ومطرف وأبو عبيد القاسم بن سلام. وفيه بعد؛ لأن قوله: "لا عدوى" يغني عن قوله: "ولا صفر". وعلى أنه أراد الشهر، فقيل: أراد إبطالَ النسيء، وقيل: أراد إبطال التشاؤم بشهر صفر، وهذا الأخير هو الظاهر عندي. (٤)

ووجهُ الدلالة فيه أنه قد عُلم من استعمال العرب أنه إذا نُفِيَ اسمُ اجنسٍ ولم يُذكر الخبر، أن يُقَدَّرَ الخبر بما يدل عليه المقام. فالمعنى هنا لا صفر مشؤوم، إذ هذا


(١) صحيح البخاري، "كتاب المغازي"، الحديث ٤٤٠٦، ص ٧٤٧؛ "كتاب الأضاحي"، الحديث ٥٥٥٠، ص ٩٨٧؛ ابن هشام: السيرة النبوية، ج ٢/ ٤، ص ١٩٠ - ١٩١.
(٢) الضمير هنا عائد على المحرم. أي يطلقون على المحرم وصَفر لفظ الصَّفَرَيْن.
(٣) انظر الروايات المختلفة في ذلك في: صحيح البخاري، "كتاب الطب"، الأحاديث ٥٧٠٧ (ص ١٠٠٩) و ٥٧١٧ (ص ١٠١٠) و ٥٧٧٠ (ص ١٠١٩)؛ صحيح مسلم، "كتاب السلام"، الأحاديث ٢٢٢٠ - ٢٢٢٢، ص ٨٧٦ - ٨٧٧.
(٤) وجهُ كونه الظاهر أنه لو أريد إبطال النسيء لكان الأظهر أن يقول: لا نسيء؛ لأنه أشهر، ولأن النسيء لا يختص بشهر صفر بل يقع بين صفر ومحرم؛ لأنه جعل محرمًا أو العكس. - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>