للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوصفُ هو الوصف الذي يختصُّ به صفر من بين الأشهر. وهكذا يُقدَّر لكلِّ مَنْفِيٍّ في هذا الحديث على اختلاف رواياته بما يناسب مُعْتَقَدَ أهل الجاهلية فيه.

وسواء كان هذا هو المراد من هذا الحديث أم غيره، فقد اتفق علماءُ الإسلام على أن اعتقاد نحس هذا الشهر اعتقادٌ باطل في نظر الإسلام، وأنه من بقايا الجاهلية التي أنقذ الله منها بنعمة الإسلام.

قد أبطل الإسلامُ عوائدَ الجاهلية، فزالت من عقول جمهور المؤمنين، وبقيت بقاياها في عقول الجهلة من الأعراب البعداء عن التوغل في تعاليم الإسلام. فلصقت تلك العقائد بالمسلمين شيئًا فشيئًا مع تخييم الجهل بالدين بينهم، ومنها التشاؤم بشهر صفر، حتى صار كثيرٌ من الناس يتجنب السفرَ في شهر صفر اقتباسًا من حذر الجاهلية السفرَ فيه خوفًا من تعرض الأعداء. ويتجنبون فيه ابتداءَ الأعمال، خشيةَ أن لا تكون مباركة.

وقد شاع بين المسلمين أن يصفوا شهرَ صفر بقولهم: صفر الخير، فلا أدري هل أرادوا به الردَّ على مَنْ يتشاءم به، أو أرادوا التفاؤل لتلطيف شره، كما يُقال للملدوغ السليم. وأيًّا ما كان، فذلك الوصف مُؤْذِنٌ بتأصل عقيدة التشاؤم بهذا الشهر عندهم.

ولأهل تونس حظٌّ عظيمٌ من اعتقاد التشاؤم بصفر، لا سيما النساء وضعاف النفوس. فالنساء يسمينه "ربيب العاشوراء"، ليجعلوا له حظًّا من الحزن فيه وتجنب الأعراس والتنقلات. ومن الناس مَنْ يزيد ضغثًا على إبالة، (١) فيضم إلى عقيدة


(١) في الأصل "ضغطًا على إبالة"، والصواب ما أثبتناه. يقال: زاد ضغثًا على إبالة، وهو مثل يُضرب للرجل يحمل صاحبه المكروه، ثم يزيده منه. وهو قريب المعنى من قولهم: زاد الطين بلة. والإبالة الحزمة من الحطب، والضغث الجرزة التي فوقها، يجعلها الحطاب لنفسه، والجرزة والحزمة بمعنى واحد، قال أسماء بن خارجة:
لِي كُلَّ يَوْمٍ مِنْ ذُؤَالَهْ ... ضِغْث يَزيدُ عَلَى إِبَالَهْ =

<<  <  ج: ص:  >  >>