للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجاهلية عقيدة أجهل منها، وهي اعتقاد أن يوم الأربعاء الأخير من صفر هو أنحسُ أيام العام. ومن العجب أنهم ينسبون ذلك إلى الدين الذي أوصاهم بإبطال عقائد الجاهلية، فتكون هذه النسبةُ ضلالةً مضاعفة؛ [إذ] يستندون إلى حديث موضوع يروى عن ابن عباس أن رسول الله قال: "آخرُ أربعاء في الشهر يومُ نَحْسٍ مستمر"، (١) وقد نص الأئمةُ على أن هذا حديثٌ موضوع. فإذا ضُمَّ ذلك إلى التشاؤم بشهر صفر من بين الأشهر، أنتجت هذه المقدماتُ الباطلة نتيجةً مثلَها، وهي أن آخرَ أربعاء من شهر صفر أشأمُ أيام العام. وأهلُ تونس يسمونها "الأربعاء الكحلاء"، أي السوداء، كنايةً عن نحسها؛ لأن السواد شعار الحزن والمصائب، عكس البياض. قال أبو الطيب في الشيب:

ابْعَدْ بَعِدْتَ بَيَاضًا لَا بَيَاضَ لَهُ ... لأَنْتَ أَسْوَدُ فِي عَيْنِي مِنَ الظُّلَمِ (٢)


= وذؤالة: الذئب، اسم له معرفة لا ينصرف، واشتقاقه من الذَّأَلان، وسُمِّيَ به لخفته في حركته وعدوه. وقد صار البيت مثلًا يضرب، بمعنى للأمر يتبع بعضُه بعضًا، أي أن لي كل يوم من ذؤالة بلية على بلية. انظر ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم: لسان العرب (بيروت: دار صادر، ١٤١٠/ ١٩٩٠)، ج ١١، ص ٢٥٤ - ٢٥٥ (باب اللام، فصل الذال).
(١) أخرجه الخطيب البغدادي في ترجمة أبي الوزير صاحب ديوان المهدي، من طريق مسلمة بن الصامت، قال: "حدثنا أبو الوزير صاحب ديوان المهدي، قال: حدثنا المهدي أمير المؤمنين، عن أبيه، عن أبيه، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: آخرُ أربعاءَ من الشهر يوم نحس مستمر". تاريخ مدينة السلام، ج ١٦، ص ٥٨٤. وانظر في أقوال العلماء فيه: السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن: اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة (بيروت: دار المعرفة، بدون تاريخ)، ج ١، ص ٤٨٥ - ٤٨٦؛ الألباني، محمد ناصر الدين: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (الرياض: مكتبة المعارف، ط ٢، ١٤٠٨/ ١٩٨٨)، الحديث ١٥٨١، ج ٤، ص ٨٣.
(٢) ديوان المتنبي بشرح البرقوقي، ج ٤، ص ١٥١. والبيت هو الثاني من قصيدة قالها المتنبي في صباه حين لاحظ أن المشيب هجم على شعره دفعة واحدة من دون تدرج.

<<  <  ج: ص:  >  >>