للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلاح للقتال، فجعلوه أصم عن سماعها على طريقة المجاز العقلي. ولقبه المولَّدون بالأصب، بالباء، ولعله تحريف أو قلب خفيف. ولقبوه أيضًا بالفرد؛ لأنه شهرٌ حرام فرد بين أشهر حلال، بخلاف الأشهر الحرم الأخرى فهي متتابعة. فلذلك شاع إردافُ شهر رجب عند الكتاب والمؤلفين بوصفه بأحد هذه الأوصاف. وليتهم تركوا ذلك، فإنه من الفضول في الكلام والتطويل الذي لا طائلَ تحته. وما كانت العربُ تفعل ذلك، ولا هو مأثور عن السلف.

فلما جاء الإسلام، أقرَّ تحريم هذا الشهر في جملة ما أقر من المنافع، كما أشار إليه قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة: "والله لا يسألونني خطةً يعظِّمون فيها حرمات الله إلا أجبتُهم إليها"، (١) فورد اعتبارُه من الشهر الحرم في قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ} [التوبة: ٣٦]، إذ فسره النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الوداع بقوله: "وإن عدة الشهور عند الله اثنى عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض، منها أربعة حرم: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان". (٢)

وإن تحريم الأشهر الحرم في الإسلام لم يبق له حكم بعد عموم الإسلام بلادَ العرب في نظر جمهور العلماء؛ لأن القتالَ في الإسلام قد انقسم إلى مأذونٍ فيه ومحرم. فالقتالُ المأذونُ فيه لا يتعطل إذا وجد سببه، والقتالُ الحرامُ في الإسلام ممنوع في كل وقت. فلم يبق للأشهر الحرم مزيةٌ في الإسلام غيرُ الفضيلة التي


(١) وأخرج البخاري عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، من حديث طويل أنه - عليه السلام - قال: "والذي نفسي بيده، لا يسألونني خطةً يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها". صحيح البخاري، "كتاب الشروط"، الحديث ٢٧٣١ - ٢٧٣٢، ص ٤٤٩؛ ابن هشام: السيرة النبوية، ج ٢/ ٣، ص ٢٤٢؛ السهيلي: الروض الأنف، ج ٤، ص ٤٢ - ٤٣. وجاء بلفظ قريب مما ذكره المصنف: "والله لا يدعونني إلى خطة يعظمون فيها حرمةً ولا يدعون فيها إلى صلة إلا أجبتُهم إليها". عند المتقي الهندي: كنز العمال، "غزوة الحديبية" الحديث ٣٠١٥٤، ج ١٠، ص ٤٩٠.
(٢) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>