للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَقَرَّرْت لها من سالف الأيام، فهي معدودة من الأوقات الفاضلة، ولذلك يرغب الناس في الصوم فيها.

قال علماؤنا إن جميع أيام الأشهر الحرم أوقاتٌ للصوم المرغَّبِ فيه، ويزداد الترغيبُ بالنسبة للتسعة الأيام الأول من ذي الحجة، وللعشرة الأيام الأول من المحرم وخاصة التاسع والعاشر. ولم يثبت في الدين تفضيلٌ لصومِ أيامٍ معينة من الأشهر الحرم غير ما ذكرنا، وأما ما رُوِيَ عن أنس يرفعه: "رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي"، فهو حديثٌ موضوع أو ضعيف. (١) ولم يرد في تخصيص يوم من أيام رجب بصوم أو صلاة حديث، والأحاديثُ المروية في ذلك لا تخرج عن الموضوع والضعيف.

أما ما ورد في "سنن ابن ماجه" من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صوم رجب كله، (٢) فمعناه عند العلماء الكراهة لئلا يظن الناسُ وجوبَ صومه كوجوب صوم رمضان. ولم يقل أحدٌ من أئمة مذاهب أهل السنة باستحباب صوم يوم معيَّن من


(١) ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن جعفر: كتاب الموضوعات من الأحاديث المرفوعات، تحقيق نور الدين بن شكري بن علي بويا جيلار (الرياض: أضواء السلف، ط ١، ١٤١٨/ ١٩٩٧)، الحديث ١١٤٧, ج ٢، ص ٥٧٦. وقال الشوكاني بعد أن ساق عدة روايات للحديث: "هو موضوع، ورجاله مجهولون. وهذه هي صلاة الرغائب المشهورة، وقد اتفق الحفاظ على أنها موضوعة، وألفوا فيها مؤلفات، وغلطوا الخطيب في كلامه فيها. وأول من رد عليه من المعاصرين له ابن عبد السلام. وليس كون هذه الصلاة موضوعة مما يخفى على مثل الخطيب، والله أعلم ما حمله على ذلك، وإنما أطال الحفاظ المقال في هذه الصلاة المكذوبة بسبب كلام الخطيب، وهي أقل من أن يشتغل بها ويتكلم عليها، فوضعها لا يمتري فيه مَنْ له إلمام بفن الحديث". الشوكاني، محمد بن علي: الفوائد المجموعة والأحاديث الموضوعة، تحقيق عبد الرحمن المعلِّمي (بيروت: المكتب الإسلامي، ط ٢، ١٤٠٧/ ١٩٨٧)، الحديث ١٤٦، ص ٦١ - ٦٢. ونلاحظ أن ورود اسم الخطيب في كلام الشوكاني خطأ أو تحريف؛ لأن الخطيب البغدادي المتوفَّى سنة ٤٦٣ هـ لا شأن له بأمر هذه الصلاة، وإنماِ الذي انتصر لها هو ابن الصلاح المتوفَّى سنة ٦٤٣ هـ. ويعضد ما قلنا ذكره للعز بن عبد السلام المتوفَّى عام ٦٦٠ هـ بحسبانه أول من رد جمليه من معاصريه.
(٢) سنن ابن ماجه، "كتاب الصيام"، الحديث ١٧٤٣، ص ٢٤٨ (عن ابن عباس).

<<  <  ج: ص:  >  >>