للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجب، بَلْه سُنِّيَتِه. ويومُ الجمعة الأول من رجب يسميه الناس جمعة الرغائب، ولا وجهَ لهذه التسمية. وإنما ورد في حديث عن أنس مرفوعًا أن الملائكة تسمي أول ليلةٍ من رجب ليلةَ الرغائب، وهو حديثٌ ذكره ابنُ الجوزي في الموضوعات، وقال: "إنه موضوع، ورجاله مجهولون". (١) ولم يتعقبه السيوطي في "اللآلئ المصنوعة".

هذا وقد قيل: إن شهر رجب كان فيه الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك أحد أقوال. فقيل: كان الإسراء في ربيع الأول سبعة عشرة، وقيل: سبع وعشرين، وقيل: كان ليلة تسع وعشرين من رمضان، وقيل: ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر، وقيل: ليلة سبع وعشرين من رجب، واختار هذا الحافظ عبد الغني المقدسي. (٢) وقيل: كان الإسراء في شوال، وقيل: في ذي الحجة. وقد جرى عملُ المسلمين على متابعة ما اختاره الحافظ عبد الغني المقدسي، فجعلوا ليلة سبع وعشرين من رجب ليلة ذكرى الإسراء، ولعل الله قد وفقهم في هذا العمل فيكون ترجيحًا لذلك الاختيار.


(١) قال ابن الجوزي: "وسمعت شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول: رجاله مجهولون، وقد فتشت عنهم جميع الكتب فما وجدتهم". كتاب الموضوعات، ج ٢، ص ٤٣٨. ثم قال هو: "هذا حديثٌ موضوع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". المرجع نفسه، ص ٥٧٧.
(٢) هو الإمام الحافظ تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر، المقدسي، الجمَّاعيلي، ثم الدمشقي، الصالحي الحنبلي. وُلِدَ بجمَّاعيل من أرض نابلس سنة ٥٤١ هـ، ونُسِب لبيت المقدس لقُرب جمَّاعيل منه ولأن نابلس وأعمالها جميعًا من توابع بيت المقدس. اتَّجه الحافظ عبد الغني إلى طلب العلم في سن مبكرة، فتتلْمَذ في صغره على عميد أسرته الشيخ محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، ثم تتلمذ على شيوخ دمشق وعلمائها، فأخذ عنهم الفقه وغيره من العلوم. كانت له رحلاتٌ علمية جابَ خلالها كثِيرًا من البلدان، وسمع خلالها بدمشق والإسكندرية وبيت المقدس والقاهرة وبغداد وحرَّان والموصل وأصبهان وهمذان وغيرها. رحل إلى بغداد سنة ٥٦١ هـ مع ابن خاله الشيخ الموفق (وكان ميلُ الموفق إلى الفقه، والحافظ عبد الغني إلى الحديث)، فأقاما بها أربع سنين ونزلا على الشيخ عبد القادر الجيلاني الذي كان يراعيهما ويحسن إليهما، وقرآ عليه شيئًا من الحديث والفقه. ثم رحل الحافظ المقدسي سنة ٥٦٦ هـ إلى القاهرة والإسكندرية وأقام هناك مدة سمع فيها من الحافظ أبي الطاهر السِّلْفي وغيره. ولم يزل كثير الإقراء والإفادة والتصنيف، معروفًا بالتبتل والعبادة إلى أن توفاه الله على ذلك سنة ٦٠٠ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>