للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن نجزم أنه صوتٌ كلمه بلا واسطة، فقل إن شئت: كلمته الشجرة، أو كلمه شاطئ الواد، أو كلمه الجو، بل ذلك يفضي إلى كلامٍ ووحي من الله تعالَى بدون واسطة.

فمَنْ قال: كلَّمته شجرة، أراد التمثيلَ والاحتمال كالتعيين. ولا يصح قولُ مَنْ قال من أصحابنا: إن الكلامَ الذي كلم اللهُ به موسى هو كلامُه الذي هو صفةُ ذاته؛ (١) لأنه يفضي إما (٢) إلى حدوث الله جل وعلا؛ لأنه يستلزم أن تكون ألفاظًا صادرةً عن شفتي الله تعالى وتقدس. نعم، عندهم شيء سهل المبدأ صعب الغاية، وهو أن يقولوا: إن الله خلق لِموسى سَمْعًا قديمًا في صماخه يسمعه، وهاته مُضْحِكة؛ لأنه يلزم عليه تركيبُ موسى من قديم وحادث، فاتضح أن الكلام الذي سمعه موسى على ما تعارفه الناس.

ستقولون: فما هاته المنقبة لموسى يعدها الله تعالَى وهو لم يزد على سماع متعارف؟ فالجواب أن المنقبة في الجائي (٣) إليه بلا واسطة. وذلك كما يلقي الله الوحي إلى جبريل؛ فإنه يكون بكتابةٍ تظهر له أو نطقٍ من بعض الأشياء مما يدله على أن هذا قولُ الله.

والذي سوَّغ إطلاقَ إضافته إلي الله في قوله تعالى: {قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: ١٤٤] هو انقطاعُ الواسطة، ودلالةُ تلك الألفاظ المخلوقة على كلام الله النفسي ومراده من موسى، كما يُسَمَّى القرآنُ كلامَ


(١) لم أهتد إلى صاحب هذا القول من الأشاعرة الذين أشار إليهم المصنف بعبارة "أصحابنا".
(٢) يبدو أن المصنف سها عن ذكر الاحتمال الثاني الذي يقتضيه تفريعُ الكلام بـ "إما".
(٣) في الأصل الذي اعتمدنا عليه جاءت لفظة "اللاجئ"، ولم يتبين وجه معناه في سياق الكلام، ولذلك أثبتنا مكانها لفظة "الجائي" لاحتمال راحج أن يكون حصل تصحيف من ناشر كتاب "تحقيقات وأنظار"، ولأنها يستقيم بها المعنى فيكون المراد أن المنقبة التي حصلت لموسى ليست في مجرد سماع الصوت وإنما في كونه وحيًا من الله جاء إليه أو تلقاه بلا واسطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>