الله وكتابَ الله بهذا المعنى. وهو بناءٌ على الشائع المتعارَف من إسناد الأمور التي خفيت أسبابُها إلى الله تعالى، وإن كان الكلُّ من عند الله. يقول العامةُ اليوم في السؤال عن الميت:"قتله أحد أم مات موت ربي؟ "
وبهذا يتضح لكم أن الاختلاف بيننا وبين المعتزلة في هذا الشأن أن مَنْ قال غير هذا، فقد توقَّف في فهم معنى الآية وعسر عليه الأمر، وأنكم إلى اليوم لم تفهموا هذا إلا بتقليد محض لا يمكنكم الركونُ إليه، ولا التعبير عنه لشدة اضطرابه. (١)
[والتكليم حقيقتُه النطقُ بالألفاظ المفيدة معانِيَ بحسب وضعٍ مصطلح عليه. وهذه الحقيقةُ مستحيلةٌ على الله تعالى؛ لأنها من أعراض الحوادث. فتعين أن يكون إسنادُ التكليم إلى الله مجازًا مستعمَلًا في الدلالة على مراد الله تعالَى بألفاظٍ من لغة المخاطَب به بكيفية يوقن المخاطَبُ أن ذلك الكلام من أثر قدرة الله على وفق الإرادة ووفق العلم، وهو تعلقٌ تنجيزي بطريق غير معتاد.
(١) انظر الحديث الذي ذكر صورة إلقاء الوحي إلى جبريل، أظنه في تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} [سبأ: ٢٣] من صحيح البخاري. - المصنف. جاءت هذه الإحالةُ في متن الكلام، ورأينا وضعَها في الحاشية أولى. أما الحديث الذي إليه يشير المصنف فهو ما رواه عكرمة قال: "سمعت أبا هريرة يقول: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قضى الله الأمرَ في السماء، ضربت الملائكةُ بأجنحتها خضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربُّكم؟ - قالوا للذي قال: الحقَّ، وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترِقُ السمع ومسترقُو السمع هكذا بعضه فوق بعض - وصفه سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه - فيسمع الكلمةَ فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الأخرُ إلى مَنْ تحته، حتى يلقيَها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهابُ قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: قد كان لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ فيصدَّق بتلك الكلمة التي سُمِعت في السماء"." البخاري، محمد بن إسماعيل: صحيح البخاري، (الرياض: بيت الأفكار الدولية، بدون تاريخ)، "كتاب التفسير"، الحديث ٤٨٠٠، ص ٨٤٤ - ٨٤٥.