للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الصبر وتلقِّي المصيبة بالجلد خفَّ مفعولُها في صحته ومزاجه، وإذا بالغ في الحزن وعاوده قويَ مفعولُ المصيبة فاشتدت الأعراضُ المنهِكة للبدن، والمسلم مأمور بحفظ بدنه.

على أن الجزعَ لا يُخفِّف الرزية، فكانت مضرةُ الحزن خالصةً غيرَ مشوبة بمصلحة. فلذلك لم يكن في تربيته عذر، وكانت مفسدتُه الخالصة قاضيةً بحكم التحريم، ولم يُرَخَّص إلا في العذر الْجِبِلِّي منه، كدمع العين وصعداء النفس. وحُرِّم غيرُ الْجِبِلِّيِّ منه تحريمًا شديدًا، كالنياحة والقول وهو دعوى الجاهلية. وفي الحديث الصحيح: "ليس منا مَنْ شقَّ الجيوب، ولطم الخدود، ودعا بدعوى الجاهلية". (١)

ولذلك كان إثْمُ مَنْ يجدِّد الحزنَ لأهل الميت شديدًا، مثل اللائي يُسعفن نساءَ الميت بالنياحة، وبذكر محاسنه، وتعظيم رزيته. وبعكس ذلك مَنْ خفف عن أهل الميت مصيبتهم، ففي سنن الترمذي وابن ماجه عن ابن مسعود مرفوعًا: "من عزَّى مصابًا فله مثلُ أجره". (وهذا الحديث غريب، تفرد به علي بن عاصم عن محمد بن سوقة. قال الترمذي: "وقد نُقم على علي بن عاصم، وتُكلم فيه لأجل هذا الحديث"). (٢) وفي سنن ابن ماجه والترمذي عن محمد بن عمرو بن حزم مرفوعًا: "ما مِنْ مؤمِنٍ يعزِّي أخاه بمصيبة إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة". (٣)


= يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠)} [التوبة: ١٢٠].
(١) صحيح البخاري، "كتاب الجنائز"، الحديث ١٢٩٤، ص ٢٠٧؛ صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث ١٦٥، ص ٥٧.
(٢) سنن الترمذي، "أبوابُ الجنائزِ عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -"، الحديث ١٠٧٣، ص ٢٧٩ (ولفظ كلام الترمذي: "هذا حديث غريب، لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث علي بن عاصم. وروى بعضُهم عن محمد بن سوقة - بهذا الإسناد - مثله موقوفًا، ولم يرفعه. ويُقال: أكثرُ ما ابتُلِي به علي بن عاصم، بهذا الحديث، نقموا عليه".)؛ سنن ابن ماجه، "كتاب الجنائز"، الحديث ١٦٠٢، ص ٢٢٨.
(٣) سنن ابن ماجه، "كتاب الجنائز"، الحديث ١٦٠١، ص ٢٢٨. وهو ليس عند الترمذي، ولم يذكره ابن العربي في العارضة، ولعله نسبته إلى أبي عيسى زلة قلم من المصنف عليه رحمة الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>