للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوم ليوم الدفن. وأبطلوا ما يُسمى بالفرق الثاني - الذي هو سادسُ يوم الدفن - وما يسمى بالزيادة الذي هو نهايةُ الأسبوع الثاني ليوم الوفاة، ومأتم الأربعين، ومأتم غلق العام. مع أن هذه العوائد مفعولها ومتروكها لا حظَّ لها في السنة، وما هي إلا من العوائد المبتدَعَة الجارية على أحكام البدعة الخمسة. (١) وهم وإن أحسنوا فيما أبطلوه منها، فهم لم يصيبوا في اعتقاد أن ما استبقوه هو من السنة.

هذا ولإكمال الفائدة في هذا الغرض نُلِمُّ بالمقصد الشرعي في باب التعزية؛ فإن من مقاصد الشريعة إبطالَ ما كان عليه أهلُ الجاهلية من إظهار الحزن والجزع عند المصيبة، ومن التظاهر به والمبالغة فيه والإعانة عليه. ولذلك ورد الوعيدُ الشديد على النياحة، وشقِّ الجيوب، ولطم الخدود، وحَثْوِ التراب، ورثاثة الحال.

وحكمةُ هذا التشريع الجليل الذي انفرد به الإسلام أن حلولَ المصائب بالإنسان من نواميس هذا العالم، وهي من مكاره الدنيا. فمن شأنها أن تَغُمَّ النفسَ وتُفْسِدَ المزاج، فينشأ عن أعراضها أدواءُ كثيرةٌ مضرتُها على صحة البدن محُقَّقة. ولذلك كان الجزاء عليها بالثواب الجزيل؛ لأن ما يصيب المؤمنَ من الرزايا يناله عليه الثوابُ حتى الشوكة يشاكها، كما ورد في الصحيح. (٢) فإذا راضَ المؤمنُ نفسَه


(١) وذلك جريًا على ما قرره القرافي من أن الأعمال المبتدعة تنطبق عليها الأحكام التكليفية الخمسة من وجوب وحرمة وندب وكراهة وإباحة. القرافي، كتاب الفروق، ج ٤، ص ١٣٣٣ - ١٣٣٥. وراجع مناقشة المصنف وتحقيقه القول في هذه المسألة في بحث "بيان وتأصيل لحكم البدعة والمنكر" في المحور الثالث من هذا المجموع.
(٢) من ذلك ما رواه عروة بن الزبير أن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مصيبة تصيب السلمَ إلا كفَّر الله بها عنه، حتى الشوكة يُشاكها"، وما رواه أبو سعيد الخدري وأبو هريرة - رضي الله عنهما -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما يصيب المسلمَ من نَصَب ولَا وَصَبٍ، ولا همٍّ ولا حَزَن، ولا أذى ولا غم - حتى الشوكة يُشاكها - إلا كفَّر الله بها من خطاياه". صحيح البخاري، "كتاب المرضى"، الحديثان ٥٦٤٠ - ٥٦٤١، ص ٩٩٩؛ صحيح مسلم، "كتاب البر والصلة والآداب"، الحديثان ٢٥٧٢/ ٤٩ و ٢٥٧٣، ص ٩٩٨ (واللفظ للبخاري). (وغير ذلك من الروايات). وأصل ذلك هو قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا =

<<  <  ج: ص:  >  >>