أبويه حتى آمنا به"، رواه الخطيب البغدادي والسهيلي وابن عساكر والقرطبي وابن شاهين وابن المنيِّر والطبري وابن كثير. واتفق معظمُهم على أن سنده ضعيف، فيه مجاهيل، ومال بعضُهم إلى تصحيحه. (١) ووقع للبعض في هذا المقام تخليطٌ وخروجٌ عن دائرة مجاري البحث.
ونحن - على ما عاهدنا عليه من ترك التكلُّف وصَوْن العلم عن التحريف ويقينِنَا بأن الله أغنى أهل هذا الدين بصحيحه عن الضعيف - نقول الحق: إن هذا الحديث ضعيف، وإن نوالَ أبوي رسول الله فضيلةَ الإيمان لا تكون رهنًا على حالة إحياء أبويه الأقربين، بحيث إذا صح الحديث حقت وإذا ضعف بطلت. فإنا إذا جزمنا بأنهم كانوا على بقية من ملة إبراهيم، كان ذلك محصلًا لاستحقاقهما الثوابَ بفضل الله تعالى، وثبتت لهم فضيلةٌ قل أن شاركهم فيها مشارك.
(١) قال السهيلي: "ورُوي حديثٌ غريبٌ لعله يصح، وجدته بخط جدي أبي عمران أحمد بن أبي الحسن القاضي رحمه الله بسند فيه مجهولون، ذكر أن نقله من كتاب انتُسِخ من كتاب معوِّذ بن داود بن معوذ الزاهد، يرفعه إلى عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، أخبرت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل ربه أن يحيي له أبويه، فأحياهما له، وآمنا به، ثم أماتهما". الروض الأنف، ج ١، ص ٢٩٩. وأورد ابن الجوزي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "حج بنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع، فمر على عقبة الحجون، وهو باك حزين مغتم، فبكيت لبكائه. ثم إنه نزل فقال: يا حُميراء استمسكي، فاستندت إلى جنب البعير، فمكث عني طويلًا، ثم إنه عاد إلي وهو فرح متبسِّم، فقلت له: بأبي أنت وأمي، نزلت من عندي وأنت باكٍ حزين مغتم، فبكيت لبكائك، ثم عدت إلى وأنت فرح مبتسم، فعَم ذا يا رسول الله؟ فقال: "ذهبت لقبر أمي آمنة، فسألت الله أن يحييها، فأحياها فآمنت بي، وردها الله عز وجل"". ابن الجوزي: كتاب الموضوعات، "كتاب الفضائل والمثالب"، الحديث ٥٤٦، ج ٢، ص ١١ - ١٢. قال ابن الجوزي: "هذا حديث موضوع بلا شك، والذي وضعه قليلُ الفهم عديمُ العلم". وانظره بلفظ مختلف في: ابن شاهين، حفص عمر بن أحمد بن عثمان: الناسخ والمنسوخ من الحديث، تحقيق علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤١٢/ ١٩٩٢)، الحديث ٦٣١، ص ٢٨٤ - ٢٨٥. وقال الحلبي: "وهذا الحديث قد حكم بضعفه جماعة، منهم الحافظ أبو الفضل بن ناصر الدين، والجوزقاني، وابن الجوزي، والذهبي في الميزان، وأقره ابن حجر في لسان الميزان، وجعله ابن شاهين ومن تبعه ناسخًا لأحاديث النهي عن الاستغفار، أي لها". إنسان العيون، ج ١، ص ١٥٥.