للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون به غير مرتين، كل تينك يحول الله بيني وبين ما أريد، من ذلك قلت ليلة لغلام كان يرعى معي: لو أبصرت لي غنمي حتى أرحل إلى مكة فأسمر بها كما يسمر الشباب، فخرجت لذلك حتى جئت أول دار في مكة، سمعت عزفًا بالدفوف والمزامير لعرس بعضهم، فجلست أنظر فضرب على أذني فنمت، فما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت ولم أقض شيئًا. ثم عرَانِي مرة أخرى مثلُ وذلك، ثم لَم أهم بعد ذلك بسوء". (١) الثانية قول النضر بن الحارث لقريش: "قد كان محمد فيكم غلامًا حدثًا، أرضاكم فيكم، وأصدقَكم حديثًا، وأعظمَكم أمانة، فلما رأيتم الشيبَ في صدغيه قلتم: ساحر، وقلتم: شاعر، وقلتم: مجنون، والله ما هو بأولئكم". (٢)

ولما بلغ - صلى الله عليه وسلم - أربع عشرة سنة ثارت حربُ الفجار بين قريش ومن معهم من كنانة وبين قيس عيلان. وكانت في شهر حرام، فلذلك سميت الفجار؛ لأن القتال


(١) ابن إسحاق، محمد بن إسحاق بن يسار: سيرة ابن إسحاق المسماة كتاب المبتدأ والمبعث والمغازي، تحقيق محمد حميد الله (فاس/ المغرب: معهد الدراسات والأبحاث والتعريب، ١٣٩٦/ ١٩٧٦)، ص ٥٨ - ٥٩؛ الطبري: تاريخ الرسل والملوك، ج ٢، ص ٢٧٩؛ ابن كثير: البداية والنهاية، ج ٣، ص ٤٤٦ - ٤٤٧؛ ابن هشام: السيرة النبوية، ج ١/ ١، ص ١٤٩ - ١٥٠. (واللفظ لابن إسحاق).
(٢) وتمام كلام النضر ولفظه: "يا معشر قريش، إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمدٌ فيكم غلامًا حدثًا، أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثًا، وأعظمكم أمانة. حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيبَ وجاءكم بما جاءكم به قلتم: ساحر، لا والله ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم، وقلتم: كاهن لا والله ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم، وقلتم: شاعر، لا والله ما هو بشاعر قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها: هزجه ورجزه، وقلتم: مجنون لا والله ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه. يا معشر قريش، فانظروا في شأنكم، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم". ابن هشام: السيرة النبوية، ج ١/ ١، ص ٢٣٩. وقد كان النضر - كما قال ابن إسحاق - "من شياطين قريش، وممن يؤذي رسولَ الله، وينصب له العداوة. وكان قد قدم الحيرةَ وتعلم بها أحاديثَ ملوك الفرس وأحاديثَ رستم واسبنديار، فكان إذا جلس رسولُ الله مجلسًا فذكَّر فيه بالله، وحذر قومه ما أصاب مَنْ قبلهم من الأمم من نقمة الله، خلفه في مجلسه إذا قام، ثم قال: أنا والله يا معشرَ قريش أحسنُ حديثًا منه، فهلم إلي. . ." (وكذلك ص ٢٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>