للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رسول الله وفاة، أو عمن ثبتت لهم الصحبةُ بالمولد، الذين كان لهم بِخَاصَّةِ أصحاب رسول الله اتصال، مثل الحسن والحسين فيما روياه عن أبيهما كرم الله وجهه أو عن خالهما هند بن أبي هالة - رضي الله عنهم -.

وقد كان أصحاب رسول الله إذا رأوا رجلًا يشبه رسول الله اهتزت أنفسهم إليه شوقًا إلى شبيهه، فقد كان أبو بكر إذا رأى الحسنَ بن علي رضي الله عنهما بعد وفاة رسول الله يقول: "بأبي شبيه بالنبي، ليس شبيه بعلي". (١) وكان كابس (٢) ابن ربيعة يشبه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان أنس بن مالك إذا رآه بكى، وبلغ خبرُه إلى الخليفة معاوية - رضي الله عنه - (وهو من أعرف الناس بصفة رسول الله إذ كان صاحبَه وصهرَه وكاتبَ وحيه)، فأرسل معاوية في أن يوجَّه إليه كابس من البصرة إلى دمشق. فلما دخل عليه قبَّل معاوية بين عيني كابس، وأقطعه قطيعة. وكانوا يُحصون الصحابةَ الذين يشبهون رسول الله في كثير من شمائله، ويحصون مَنْ كان يشبهه من التابعين، فمثلهم كمثل قول الشيخ ابن الفارض:

وَأَبِيتُ سَهْرَانًا أُمَثِّلُ طَيْفَهُ ... لِلْعَيْنِ كَيْ أَلْقَى خَيَالَ خَيَالِهِ (٣)

ثم انقرض عصرُ الصحابة، فغفل الناسُ عن معرفة مَنْ يشبه الذين يشبهون رسول الله؛ لأن المشابهة في ملامح الذات لا يتوسَّمُها إلا الذي عرف الذاتَ فتحصل له عند رؤية مُشابِهِ الذات لمحةٌ من طَلْعة الذات المشبَّه بها، فهناك يتوسم الذات اللائحة حتى يعرف من أين جاء الشبه فيصفه، وسنذكر أسماء من أحصيناهم من هؤلاء السادة في آخر هذا المقال.


(١) صحيح البخاري، "كتاب المناقب"، الحديث ٣٥٤٢، ص ٥٩٥ - ٥٩٦؛ "كتاب فضائل الصحابة"، الحديث ٣٧٥٠، ص ٦٣١.
(٢) كابس - بكاف في أوله - بن ربيعة، من بني سامة بن لؤي، من أهل البصرة، تابعي. - المصنف
(٣) ديوان الشيخ عمر بن الفارض (مصر: المطبعة الميمنية لمصطفى البابي الحلبي وأخويه، ١٣٣٢)، ص ٨٩. والبيت من قصيدة من ثلاثة عشر بيتًا، وقد جاء مختلفًا قليلًا عما ذكره المصنف، ففيه: "للطرف" بدل "للعين".

<<  <  ج: ص:  >  >>