للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن محبة الذات تقتضي محبةَ ذكرِ صفاتها، كما أن محبةَ ذِكر الصفات تقتضي المحبةَ من صاحب الصفات، بما دل عليه حديثُ عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أن رجلًا كان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ "قل هو الله أحد"، فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "سلوه لأي شيء يصنع ذلك"، فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أخبروه أن الله يحبه". (١)

ولقد يسر الله للمؤمنين أن ألْهَمهم البحثَ عن شمائل رسول الله قبل انقراض عصر الصحابة، ليبقى منها أثرٌ قائمٌ لِمَنْ يأتِي من المسلمين في سائر العصور والأجيال، يرد على قلوبهم روحًا يهب على لهيب أشواقهم إلى ذات نبيهم. فانبرى المسلمون في آخر عصر الصحابة إلى تقييد هذه الصفات المباركة، كما ينبئ بذلك وجدانُنا معظمَ أحاديث شمائله - صلى الله عليه وسلم - مرويًّا عن المعمرين من الصحابة، مثل ما يُرْوَى عن أنس بن مالك وسهل بن سعد وأبي الطفيل عامر بن واثلة (٢) آخر أصحاب


= ديوان بشار بن برد، تحقيق الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور (القاهرة: دار السلام، ١٤٢٩/ ٢٠٠٨)، ج ٢/ ٤ (قافية النون)، ص ٢٢٨ - ٢٢٩.
(١) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلًا على سريَّة، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم بـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "سلوه لأي شيء يصنع ذلك". فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أخبروه أن الله يحبه". صحيح البخاري، "كتاب التوحيد"، الحديث ٧٣٧٥، ص ١٢٦٩؛ صحيح مسلم، "صلاة المسافرين وقصرها"، الحديث ٨١٣، ص ٢٩٢.
(٢) أبو الطفيل عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو الليثي الكناني، صحابي. وهو آخر من رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفاةً بالإجماع، قال: "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يستلم الركن بمحجنه"، وذكر صفته. روى عن أبي بكر، وعمر، وعلي، ومعاذ، وابن مسعود. وحدث عنه الزهري، وقتادة، وعمرو بن دينار، وأبو الزبير، وجماعة من التابعين. كان من أنصار علي بن أبي طالب، شهد معه حروبه كلها، لكن نقم بعضُهم عليه كونه كان مع المختار بن عبيد، ويقال: إنه كان حامل رايته. وقد روى أنه دخل على معاوية فقال: ما أبقى لك الدهر من ثكلك عليًّا؟ فقال: ثكل العجوز المقلاة والشيخ الرقوب، فقال: كيف حبك له؟ قال: حب أم موسى لموسى، وإلَى الله أشكو التقصير. قيل إنه أدرك من حياة الرسول - عليه السلام - ثمان سنين. تُوُفِّيَ سنة ١٠٠ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>