للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهيكل الإنساني فذهب المقصود من بعثته رسولًا بشيرًا، ليكون إبلاغ مراد الله إلى الخلق بواسطة لها اتصال بعالم البشر المبلغ لهم، واتصال بعالم الملك الذي منه التلقي: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (٩٥)} [الإسراء: ٩٥]، وقال: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (٩)} [الأنعام: ٩]. وهذا السر الإلهي قد عبر عنه بعضُ الحكماء المتألهين بقوله: "استفادة القابل من المبدأ تتوقف على المناسبة بينهما".

ولكلتا القوتين شعار ومدد، وإمداد كلتا القوتين يكسبها شدة، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأجل رجحان قوته الملكية على قوته البشرية يمد الله تلك القوة بما يكسبها تزكية وإشعاعًا، وذلك بإفاضة الأنوار القدسية كل آن على الروح المحمدية. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مأمورًا بأن يتطلب إمدادًا من قبل ربه، ويجاهد في تحصيله بقيام الليل: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣)} [المزمل: ١ - ٣]، وبالصيام ووصاله وبالاستغفار، ففي الحديث: "إني ليغان على قلبي، فأستغفر الله في اليوم سبعين مرة"، (١) وبمجاهدة النفس.

وكان لأجل بشريته يتنوال من شؤون الحياة ما هو سبب لاسبقاء الهيكل من لازم الطعام والشراب والنوم، وهو في تناوله ذلك لا يجانب مشايعة التكميل الروحاني، فالطعام يتناول منه قليلًا، ولذلك يكثر الصوم ويواصل الصوم، وقد نهى أصحابه عن مواصلة الصوم فقالوا: إنك تواصل، فقال: "إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربِّي ويسقيني"، (٢) فأعلمنا أن لذاته إمدادًا إلهيًّا في حفظ مزاجها؛


(١) عن الأغر المزني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة". صحيح مسلم، "كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار"، الحديث ٢٧٠٢، ص ١٠٤٠؛ سُنَنُ أبي دَاوُد، "كتاب الصلاة"، الحديث ١٥١٥، ص ٢٤٧.
(٢) جمع المصنف بين ألفاظ حديثين. صحيح البخاري، "كتاب الصوم"، الحديثان ١٩٦٣ - ١٩٦٤، ص ٣١٥ - ٣١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>