للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - وحكمة رابعة، وهي أن فريقًا من المسلمين كانوا فقراء لا يجدون سعة في العيش، فكان من رفق رسول الله بهم أن لا يكون أوسع عيشًا منهم. ففي الصحيح عن أبي طلحة الأنصاري: "شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجوع ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر، فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن حجرين". (١) فهذا يدل على أنه شد بحجرين؛ لأن مدة جوعه كانت أطولَ من مدتهم، وشد الحجر على بطنه الشريف لدفع ما يحدثه الجوع من ألم؛ لأن البطن إذا خلت تطلبت ما تعتاده من الغذاء، فيكون شد الحجر عليها دفعًا لحركة الجهاز الهضمي التي أودعها الله في الجهاز عند احتياج الجسم إلى الغذاء. والمقصود من إظهاره ذلك لهم تربيتهم على الصبر وقلة الشكوى مما يلم بهم في جنب الله تعالى.

٥ - وحكمة خامسة، وهي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كان مأمورًا بمجاهدة المشركين الذين قاموا في وجه الدعوة وراموا صدها بالقوة والسيف، وهم أهل مكة وبقية من استجاب لتأييدهم. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في قلة عددهم أمامهم، فكان من حكمة الله في سيرة رسول الله في عيشه أن يكون في ذلك قدوةً لأصحابه حتى يكونوا أهلَ مصابرة على لأواء الحروب. فلذلك كانوا يطيقون في الغزوات الصبر عن الطعام، ففي الصحيح عن سعد بن أبي وقاص: "لقد رأيتني أغزو في العصابة من أصحاب محمد ما نأكل إلا ورق الشجر الْحُبلة (٢) حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة أو البعير". (٣)


= إن شئت جعلت لك بطحاء مكة ذهبًا، قال: فرفع رأسه إلى السماء وقال: لا يا رب، أشبع يومًا فأحمدك وأجوع يومًا فأسألك". كنز العمال، "باب شمائل الأخلاق وزهده - صلى الله عليه وسلم -"، الحديث ١٨٦١٦، ج ٧، ص ١٩١ - ١٩٢.
(١) سنن الترمذي، "كتاب الزهد"، الحديث ٢٣٧١، ص ٥٦٥.
(٢) الحبلة، بضم الحاء وسكون الباء، ثمر شجر العضاة، كشجر السيال والسمر والسلم. - المصنف.
(٣) جزء من حديث أخرجه الترمذي قال: "حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد، أخبرنا أبي عن بيان عن قيس، قال: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: "إني لأول رجل أهراق دمًا في سبيل الله، وإني لأول رجل رمى بسهم في سبيل الله، ولقد رأيتني أغزو في العصابة من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - =

<<  <  ج: ص:  >  >>