للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الحديث: "الصومُ في الشتاء الغنيمةُ الباردة"، (١) فإنه اشتهر بين الناس بالغنيمة الباردة، بمعنى الغنيمة بلا مشقة عمل من شأنه إصعاد مرارة البدن. ولكن الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة؛ لأنه غنيمة أجر عظيم حصلت في برودة الجسم، وهو الآمن بهذا الوصف الذي هو وصفُ مدحٍ في عرفهم. ومن هذا قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: ١٥]، أي إذا كنتم تعلمون وصف الخاسر فالخاسرون حقًّا هم الذين خسروا أنفسهم إلخ.

ولذلك جاء هذا الكلامُ المجموع في قوله: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} مجيءَ الدليل والمقدمة وهو أسلوب عجيب في صناعة التخاطب، فهو بمنزلة الدليل لقوله: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا} [التغابن: ٨]، وهو أيضًا بمنزلة المقدمة لقوله: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٠)} [التغابن: ٩, ١٠]، فلا جرم أن تحصل للسامعين بعد سماع تلك المقدمة وهذه النتيجة روعةُ الخائف الوجل، فتحملهم على توخي خير العمل.


(١) ابن حنبل، الإمام أحمد: مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق جماعة من العلماء بإشراف شعيب الأرنؤوط (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط ١، ١٤١٦/ ١٩٩٥)، الحديث ١٨٩٥٩، ج ٣١، ص ٢٩٠؛ البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي: السنن الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ٣، ١٤٢٤/ ٢٠٠٣)، "كتاب الصيام"، الحديث ٨٤٥٤، ج ٤، ص ٤٨٩؛ سنن الترمذي، "كتاب الصوم"، الحديث ٧٩٧، ص ٢١٩. قال الترمذي: "هَذَا حديثٌ مُرسَلٌ. عامرُ بنُ مَسعُودٍ لَمْ يُدرِكِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وهُوَ والدُ إِبراهيمَ بنِ عَامرٍ القُرَشيِّ الَّذِي رَوَى عَنهُ شُعبَةُ والثَّوريُّ".

<<  <  ج: ص:  >  >>