للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنسان: "فأنت بالروح لا بالجسم إنسان". (١) فإن مآل أميته - صلى الله عليه وسلم - إلى استغناء روحه في بلوغ كمالها القاصر والمتعدي، عن الحاجة إلى التثقيف بتعليم القراءة والكتابة اللتين هما طريق كمال النفس في متعارف البشر، فكانت نفس الرسول بالغة أرقَى مراتب الكمال بإفاضة ربانية هي آية من آيات الله تعالى.

حقيقة الأمية أنها عدمُ معرفة القراءة والكتابة، وهي صفةٌ مصوغة بصوغ الأخذ من الأمي، وهو الذي لا يقرأ ولا يكتب. والأمِّيُّ منسوبٌ إلى الأم، والمقصود أنه على الحالة التي جُبل عليها حين ولدته أمه، إذ لم يكتسب تعليمًا مكتبيًّا؛ لأن التعليم أمر مكتسب، فالذي لم يتعلم قد بقي على ما وُلد عليه. وقد قال بعضُ علماء اللغة: إن العرب أخذوا الأمي من الأمة، بمعنى العامة؛ لأن معظم العامة في اصطلاح العرب لا يعرف قراءة ولا كتابة. ولذلك وصف العرب بالأميين لغلبة الأمية عليهم إلا قليلًا منهم من أهل المدن والقرى مثل أهل الحيرة والأنبار والطائف ومكة. وحسبك أن خاصة شعرائهم وهم خاصة أقوامهم كانوا لا يحسنون القراءة والكتابة، وقصة المتلمس وطرفة بن العبد حين حملا كتابين من الملك عمرو بن هند إلى عاملة بالبحرين يأمره أن يقتلهما وهما يحسبان أنه أمر لهما بصلة، أكبرُ شاهد على مبلغ الأمية فيهم. (٢)


(١) هذا عجز البيت الثاني من بيتين من البسيط للشاعر أبي الفتح البُستي (نسبة إلى مدينة بست الواقعة إلى الغرب من مدينة قندهار بأفغانستان، والمتوفَّى في بخارى سنة ٤٠٠ أو ٤٠١ أو ٤٠٢)، وهما:
يَا خَادِمَ الْجِسْمِ كَمْ تَشْقَى بِخِدْمَتِهِ ... لِتَطْلُبَ الرِّبْحَ فِيمَا فِيهِ خُسْرَانُ
أَقْبِلْ عَلَى النَّفْسِ فَاسْتَكْمِلْ فَضَائِلَهَا ... فَأَنْتَ بِالنَّفْسِ لَا بِالْجِسْمِ إِنْسَانُ
ديوان أبي الفتح البستي، تحقيق درية الخطيب ولطفي الصقال (دمشق: مطبوعات مجمع اللغة العربية، ١٤١٠/ ١٩٨٩)، ص ١٨٣.
(٢) انظر مناقشة عميقة ومستفيضة لمسألة الأمية ووصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بها في: بدوي، عبد الرحمن: دفاع عن القرآن ضد منتقديه، ترجمه عن الفرنسية كمال جاد الله (الدار العالمية للكتب والنشر، بدون مكان ولا تاريخ النشر)، ص ١١ - ١٩. (هذا وينبغي أن نشير إلى أن الترجمة تشكو من ضعف واضح). وانظر خبر قصة التلمس وطرفة في: الأصفهاني: الأغاني، ج ٨/ ٢٤، ص ٥٤٩ - ٥٥٠ (نشرة الحسين).

<<  <  ج: ص:  >  >>