للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثبت وصفُ الأمية لرسول الله بالتواتر من القرآن والسنة وإخبار أهل الأخبار من العرب وغيرهم. فالقرآن يقول: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة: ٢]، {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨)} [العنكبوت: ٤٨]، {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ} [الأعراف: ١٥٨]. (١)

وجاء في حديث بدء الوحي عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله لما جاءه الملَك وهو في غار حراء أنه قال: "قال لي: اقرأْ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني (٢) حتى بلغ مني الجهد، (٣) ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)} [العلق: ١ - ٥] "، فرجع رسول الله يرجف بها فؤاده. (٤)

فقول رسول الله: "ما أنا بقارئ" رد لقول الملك له: "اقرأ"، إذ حسِبَ الرسول أن الملك لما أمره بأن يقرأ قد ظن أنه يعرف القراءة والكتابة. وتكريرُ الملك أمره بأن يقرأ أمرُ تكوين من الله تعالى، وغطُّه إياه ثلاثًا مظهر من مظاهر الخلق، أي خلق قوة القراءة في قلب النبي من دون تعلم على سبيل خرق العادة، إذ الشأن أن الأمِّيَّ لا تطاوع نفسُه القراءة، إذ القراءة فن خاص من فنون الكلام مخالف لحفظ الشعر والأمثال، بل القراءة استظهارُ ما يتعلمه المتعلمُ من كتب العلم عن ظهر قلب، وهي


(١) وكذلك قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف: ١٥٧].
(٢) الغط - بغين معجمة وطاء مهملة مشددة - هو الضم بشدة. - المصنف.
(٣) الجهد - بفتح الجيم - هو نهاية الوسع والمقدرة حتى يصل التعب. - المصنف.
(٤) صحيح البخاري، "كتاب بدء الوحي"، الحديث ٣، ص ١. وقد ساق المصنف الحديث بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>