للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ملكةٌ خاصة لا تتأتَّى لغير المتعلم بعد ممارسة طريقة التعليم التي يرتاض بها المتعلم تدريجًا من معرفة كتابة الحروف والنطق بالكلام المكتوب ليعاود ما يُملَى عليه، حتى يصير وعي ما يُلقى إليه من العلم وتعلقه بعقله سهلًا عليه. (١)

وقوله تعالى: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)} [العلق: ٣ - ٥] "، تهدئةٌ لروع رسوله واستئناسٌ له؛ لأنه لما استصعب واستعظم تكليفَه بالقراءة في حين أنه أمِّيٌّ ليس بقارئ أعلمه الله بأن الله الذي خلق في الإنسان القابليةَ المادية للعلم بالكتابة ويسَّر له (٢) ذلك في أصل الخلقة، هو قد علم الإنسان ما لَمْ يعلم، فحيث أمرك بالقراءة فامتثلْ ولا تستعظم ذلك، إلا أن هذا التعليم جاء على خلاف المعتاد المتعارف. فالكلامُ مسوقٌ مساقَ الاستدلال، مع الإشارة إلى أن المخاطَب ما هو إلا إنسانٌ أراد الله أن يعلمه ما لم يعلم بدون احتياج إلى سبق تعلم الكتابة. وفي تفسير محيي السنة البغوي: "قيل إن المراد بالإنسان في هذه الآية محمد - صلى الله عليه وسلم -، لقوله تعالى في الآية الأخرى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (١١٣)} [النساء: ١١٣](٣) وهو مَنْزَعٌ حسن.

إن المحاسن الإنسانية المعدودة كمالاتٍ هي ثلاثة أقسام: قسمٌ هو جِبِلِّيٌّ بأصله وأثره، وقسمٌ هو جِبِلِّيٌّ بأصله وكَسْبِيٌّ بأثره، وقسم هو كَسْبِيٌّ بأصله وأثره معًا. فالقسم الأول هو المحاسن الذاتية المحضة التي لا تتعلق بالروح كالصباحة


(١) انظر تحليلًا للدلالة النفسية لأمر النبي الأمي بالقراءة وأهمية تلك الدلالات في تكوين المقياس الوضوعي لظاهرة الوحي في: بن نبي، مالك: الظاهرة القرآنية (دمشق: دار الفكر، ط ٤، ١٤٢٠/ ٢٠٠٠)، ص ١٥٠ - ١٥٨.
(٢) في الأصل "لهم"، وقد أصلحناها بناءً على معاد الضمير إلى "الإنسان"، وهو مفرد. وإن كان قد يجوز معادُه على جمع مقدر، أي الناس أو بنو آدم على اعتبار أن لفظ الإنسان اسم جنس، والله أعلم.
(٣) أورد المصنف كلام البغوي بتصرف، ولفظه: "وقيل: الإنسان ها هنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، بيانه: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: ١١٣] ". البغوي، أبو محمد الحسين بن مسعود: معالم التنزيل، تحقيق محمد عبد الله وزميليه (الرياض: دار طيبة، ١٤٠٩/ ١٩٨٩)، ج ٨، ص ٤٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>