للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال عياض في الإكمال: وظاهرُ قوله في الحديث: ولا يحسن أن يكتب فكتب محمد بن عبد الله، كالنص في أنه هو بنفسه كتب، والعدول إلى غيره تجوُّزٌ في الكلام وحملٌ على ما لا يُفهم منه لغير ضرورة، ولا يقدح هذا في كونه أمِّيًّا إذ ليست المعجزة مجرد كونه أمِّيًّا، وإنما المعجزة أن كان في أول الأمر كذلك ثم جاء بعلوم لا يعلمها الأميون. فكما جعله الله يقرأ ما لم يكن يقرأ من قبل ويتلو ما لم يكن يتلو، فكذلك علمه أن يكتب ما لم يكتب، وإنما قال الله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: ٤٨]، أي من قبل نزول القرآن. فعلمه أن يكتب ويخط بعد النبوة، (١) أي فتحصل له معجزتان مع اختلاف الزمان فلا تعارضَ بينهما، خلافًا لِما توهمه السهيلي في الروض الأنف. (٢)

قال عياض في المدارك: "ولمَّا ألف أبو الوليد رسالتَه المسماة بتحقيق المذهب من أن النبي كتب، وكان أصلُ ذلك أنه قُرئ عليه بدانية في صحيح البخاري حديثُ المقاضاة فمر في حديث إسرائيل، فتكلم أبو الوليد على الحديث وذكر قول مَنْ قال بظاهر هذا اللفظ، فأنكره عليه ابن الصائغ وكفره بإجازته الكتابة على النبي الأمي، وأن هذا تكذيب للقرآن وأعلى ما حمل من أشياعه في الإنكار والشناعة، وقبحوا عند العامة ما أتى به، وأكثر القالة فيه مَنْ لم يفهم غرضه، حتى أطلق عليه اللعنة غلاتهم وضمنوا البراءة منها أشعارهم، وحتى قام بذلك بعضُ خطبائهم، وفي ذلك يقول عبد الله بن هند الشاعر:

بَرِئْتُ مِمَّنْ شَرَى دُنْيَا بِآخِرَةٍ ... وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ الله قَدْ كَتَبَا


(١) ساق المصنف كلام عياض بتصرف زيادة وحذفًا، وهذا هو قول مَنْ جوز أن يكون الرسول عليه السلام قد كتب، ومنهم الباجي. اليحصبي: إكمال المعلم، ج ٦، ص ١٥١ - ١٥٢.
(٢) السهيلي: الروض الأنف، ج ٦، ص ٤٨٥ - ٤٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>