للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: ٢٩]، وقوله حكايةً عن إبراهيم عليه السلام: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩)} [الأنعام: ٧٩].

والتعريف في قوله: "للدين" تعريفُ العهد، وهو الدين المعهود للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الإسلام، وهو المعهود للمسلمين الذين تقلدوه. ووصف "حنيفًا" وصف يوزن بوزن فعيل، وهو مبالغة في الاتصاف بالحنف، والحنف الميل عن شيء. وغلب إطلاقُ الحنيف على المائل عن الباطل، أي: العادل عن الباطل إلى الحق. فالحنيف الموحد غير المشرك، قال تعالى: {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٣٥)} [البقرة: ١٣٥]. وقد اشتهر وصفُ إبراهيم - عليه السلام - بالحنيف، كما اشتهرت ملةُ إبراهيم باسم الحنيفية. (١) والتحنف عبادة الله وحده دون إشراك، واشتهر دينُ الإسلام بالحنيف؛ لأنه أشد الأديان في قطع دابر الإشراك، قال تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج: ٧٨].

ولذلك فوصف "حنيفًا" هنا منصوبٌ على الحال؛ يصح أن يكون حالًا من الضمير المستتر في فعل "فأقم"، ويصح أن يكون حالًا من الدين، على تشبيه الدين الإسلامي في خلوه من شوائب الإشراك برجل تجنب الشرك وعدل عنه. فيكون في صفة "حنيف" تمثيلٌ، وفي إجراء تلك الصفة على الدين استعارةٌ مصرحة. وفي الآية مُحَسِّنُ الطباق، وهو الجمع بين معنيين متضادين ولو في الجملة، وذلك في الجمع بين "فأقم" - الذي هو من الإقامة والاعتدال - و"حنيف" الذي هو في معنى الميل والانحراف.


(١) انظر تحليلًا دلاليًّا وتاريخيًّا لمصطلحي الحنيف والحنيفية وعلاقتهما المفهومية بالدين والتوحيد في: إيزوتسو، توشيهيكو: الله والإنسان في القرآن، ترجمه عن الإنجليزية هلال محمد الجهاد (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، ط ١، ٢٠٠٧)، ص ١٥٧ - ١٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>