للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه كلها بشارةٌ صريحة، والمراد بالمعزي المصدق والمؤيد. وقوله في بعضها: "سأرسله إليكم"، مجاز أو ضعف في الترجمة، أي الذي يجيء بعد المسيح، فكأنه أرسله، ومعنى قوله فيه: "فهو يشهد لِي"، أنه يشهد بأن عيسى رسولُ الله بعد أن أنكر اليهود، وبأنه لم يُصلب. وهذا في معنى قوله تعالى: {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١)} [النساء: ٤١] , على أحد التفسيرين. (١)

الصنف السادس: أحوال تتعلق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل نبوته أو بعدها تدل على عظم شأنه وصدق دعوته. منها كراهة التعري وهو شاب في مدة بناء قريش الكعبة حين أمره عمُّه أن يرفع إزاره، فلما رفعه خر مغشيًّا عليه وقال: "رُدُّوا علي إزاري". (٢)


(١) الواقع أن هناك أكثر من قولين في تفسير هذه الآية كما ذكر الراغب الأصفهاني حيث قال: "وقوله: {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١)}، فيه أقوال: أحدها أنه أشار إلى أمته، ويكون قوله: {[وَجِئْنَا] بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١)} عامًّا، وخص النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته بالذكر تعظيمًا لهم. والثاني ما قاله ابن عباس: إن هذه الأمة تشهد للأنبياء، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يشهد لأمته، واستدل بقوله: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: ١٤٣]. والثالث: إن قوله: {عَلَى هَؤُلَاءِ}، إشارة إلى الأنبياء الذين هم الشهداء على أممهم". ثم قال في بيان معنى شهادة النبي - عليه السلام - على الأنبياء السابقين: "إن قيل: كيف يصح أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - شاهدًا للأنبياء الذين قبله وهو لم يحضرهم؟ وأي فائدة لشهادته وشهادتهم؟ قيل: إن الأنبياء لم يختلفوا في أصول ما دعَوْا إليه، بل كلهم لسان واحد في الدعاء إلى التوحيد، وأصول الاعتقادات والعبادات، وسائر جمل الشريعة، وعلى ذلك نبه بقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي [أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ]} [الشورى: ١٣]. وكل واحد منهم معتقد لما اعتقده الآخر، ومبلغ ذلك مثل ما بلغه الآخر، ثم شريعة النبي - صلى الله عليه وسلم - جامعة لأصول شرائع من تقدمه". ثفسير الراغب الأصفهاني، ج ٢، ص ١٢٤٤ - ١٢٤٥. وهذا القول الثالث الذي فصل فيه الراغب هو المقصود بكلام المصنف، وقد عده من "أضعف الاحتمالات"، ولكن التوجيه الذي جاء به الراغب يجعله غير ذلك. انظر ابن عاشور: تفسير التحرير والتنوير، ج ٥، ص ٥٨.
(٢) سبق تخريجه في مقال: قصة المولد.

<<  <  ج: ص:  >  >>