على وعيه، ويهتمون برعيه، ويرون العمل به إرضاءً لتلك الروح المفارقة، يرغبون به في مرضاتها، ويتفاءلون بعاقبته في ساعات الشدائد وأوقاتها.
وقد حكى الله تعالى عن إبراهيم ويعقوب عليهما السلام هذا المقام بقوله: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣)} [البقرة: ١٣٢, ١٣٣]، وحكى عن موسى في وقت مغيبه للمناجاة: {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (١٤٢)} [الأعراف: ١٤٢].
ولم يخل نبي ولا حكيم من استيداع قومه أو مريديه ما فيه هديُهم عند الحيرة، وإعانتهم عند المشكلات. وما كتبت الصحف المنزلة، وأرسلت الأمثال والحكم السائرة، ودونت القوانين والتآليف النافعة، إلا وفاءً بهذا الغرض، وأداءً لهذا الحق المفترض. ومحمد - صلى الله عليه وسلم - أكملُ المرشدين إرشادًا، وأوفرُ النا صحين في مقاومة الضلال عتادًا؛ لأن الله تعالى اختصه باجتماع صفات جاء بها قولُه تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)} [التوبة: ١٢٨].
وهذه الصفات ينبثق عنها إرشاد لا يوازنه إرشاد؛ لأن عزة عنت المسلمين عليه يناسبه تعجيل إرشادهم، والإسراعَ بالأخذ بأيديهم إلى مرافق العزة والكمال، واستيعاب أساليب إيصال الإرشاد إلى قلوبهم. ولأن حرصه عليهم، أي على نفعهم، يناسبه قصدُ وعي إرشاده بجوامع الكلم، ومنتهى البلاغة والإيجاز.
ولأن رأفته ورحمته بهم يناسبها تسهيل طرق دلائل هديه في مختلف الأحوال بما ليس بعده متطرق للضلال. وهذا المقام - مقام رأفته ورحمته - هو المقام الجامع لبقية الصفات النبوية، ولذلك قصره الله تعالى على حال الرحمة في قوله تعالى: {وَمَا