الثالث: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عزم على أن يكتب لهم كتابًا، وقد تقرر أنه - صلى الله عليه وسلم - أمي، فكيف يكتب الكتاب؟
الرابع: إذا كان فيما سيقوله رسول الله ما يدفع عن الأمة الضلال، فما وجهُ توقفه عن الكتابة؟ ولماذا لم يبلغه إليهم الرسول بالقول دون كتابة؟
الخامس: كيف قال رسول الله: "دعوني فما أنا فيه خير مما تدعونني إليه"؟ فإن كان الحال الذي فيه رسول الله من المكاشفات أو الوحي هو خيرًا للرسول من كتابة الكتاب، فقد فات الأمةَ ما كان فيه دفعُ الضلال عنهم، وإن كان خيرًا للأمة من الكتاب فهو أمر لم يبين لهم من بعد.
السادس: كيف أقدم عمر بن الخطاب على صد الناس أن يأتوا رسول الله باللوح والدواة ليكتب لهم؟
السابع: وكيف يقول عمر: إن رسول الله قد غلبه الوجع؟
الثامن: وكيف يقول عمر: حسبنا كتاب الله، مع أن رسول الله يقول: لن تضلوا بعده؟
التاسع: أن بعضهم قال: "ما شأنه؟ أَهَجر؟ استفهموه! " فإن معنى هَجر: قال هجرًا، أي: قال كلامًا غير مقصود كشأن المحموم، فيكون هذا القائل قد جوز أن يكون ما صدر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلامًا لا تعويلَ عليه، فيكون تجويزًا لجريان الخطأ على لسانه. وهذا يدافع اليقين بأن لا ينطق عن الهوى!
وجريًا على السَّنَن الذي سلكناه في الذكريات المولدية السالفة في القصد إلى ناحية من نواحي السيرة النبوية نراها جديرة ببحث أوفَى مما منحها الكاتبون، فنمدها من الفتوح الإلهية بهواطل تنضح قتام الإشكال، وتمد إليه من الحقائق ما يحوك سداها ولحمتها على أتقن منوال، نقول: إن رسول الله قد أرشد أمته في نيف وعشرين سنة إرشادًا لم يغادر دخيلة من دخائل النفوس صالحها وشريرها إلا أتَى