للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَطَعْنَا رَسُولَ الله إِذْ كَانَ بَيْنَنَا ... فَيَا لَعِبَادِ الله مَا لأَبِي بَكْرِ؟ (١)

ومن المحتمل القريب أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يكتب لهم وصية بملازمة كتاب الله وسنة رسوله، وتذكر ما سبق من هديه وإرشاده. فقد ثبت في الصحيح أنه أوصى قبيل وفاته بكتاب الله، وثبت أنه أوصى بالصلاة وما ملكت أيمانهم. ثم قد يكون عزم رسول الله على هذا الكتاب ناشئًا عن إذن إلهي بوحي، وقد يكون عن اجتهاد منه بناءً على المختار من أقوال علمائنا بجواز الاجتهاد للنبي ووقوعه منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وأيًّا ما كان الغرضُ الذي هَمَّ رسول الله بكتابته، وأيًّا ما كان الباعث الذي دعا رسول الله إلى ذلك، فقد عدل عنه وتركه، وقال لهم حين أعادوا عليه: "ما أنا فيه خير مما تدعونني إليه". فإن كان عزمه الأول ناشئًا عن وحي، يكون قوله الثاني دالًّا على أن الله نقله من ذلك العزم إلى ما هو خير للأمة، فيكون نسخًا للإذن بالكتابة. وإن كان ناشئًا عن اجتهاد مستند إلى ظواهر الأدلة والأحوال، فالله صرفه عنه بوحيه إليه ما هو خير لأمته في علم علام الغيوب، أو غيَّر اجتهادَه بلائحة أدلة أخرى أظهرت لرأيه ما هو خير لأمته في ترك ما عزم عليه.

وجعل الله اختلاف الحاضرين في الأمر سكينة لنفس رسول الله - عليه السلام - لئلا يبقى له شك في نفع العدول عن ذلك الكتاب. وإن من أول منافعه إزالة الاختلاف بين الحاضرين في شأنه. (٢)


(١) ديوان الحطيئة برواية وشرح ابن السكيت، تحقيق نعمان محمد أمين طه (القاهرة: مكتبة الخانجي، ط ١، ١٤٠٧/ ١٩٨٧)، ص ١٩٥. والبيت من مقطوعة من ثمانية أبيات قالها في الردة يحرض المشركين على قتال المسلمين، وقد جاء في الديوان مختلفًا عما ذكره المصنف هنا، ولفظه:
أَطَعْنَا رَسُولَ الله إِذْ كَانَ بَيْنَنَا ... فَيَا لَعِبَادِ الله مَا لأَبِي بَكْرِ؟
(٢) هنا ينتهي القسم الأول من المقال حسب تقسيمه في المجلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>