للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تميم أشار أبو بكر - رضي الله عنه - على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يؤمَّ على بني تميم القعقاع بن معبد، فقال عمر - رضي الله عنه -: بل أمِّر عليهم الأقرعَ بن حابس، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي! فقال عمر: ما أردت خلافك، فتمادَيَا وارتفعت أصواتُهما، فنزل القرآن بهذه الآية، قالوا: فكان أبو بكر بعد ذلك لا يكلم رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إلا كأخي السِّرار، أي كصاحب السر والمسارة، وكان عمر - رضي الله عنه - بعد ذلك إذا كلم رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لا يكاد يسمعه حتى إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَيَسْتَفْهِمه. (١)

ومن آداب مجلسه أن أصحابه يكونون فيه على غاية التؤدة والسكينة؛ فقد روى أصحاب السنن عن أسامة بن شريك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تكلم أطرق جلساؤه، "كأنما على رؤوسهم الطير". (٢) ومثلُه في حديثُ هند بن أبي هالة في صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (٣) ومعنى "كأنما على رؤوسهم الطير"، أي في حالة السكون؛ لأن الطائر ينفر من أدنى تحرك.

وفي حديث هند بن أبي هالة - رضي الله عنه -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "يعطي كلَّ جلسائه بنصيبه، لا يَحْسِب جليسُه أن أحدًا أكرمُ عليه منه"، وفيه أن مجلسَه "مجلسُ علم وحلم وحياء، وأمانة وصبر، لا تُرفع فيه الأصواتُ، ولا تُؤْبَنُ فيه الحرم، ولا تُثْنى فلتاتُه". (٤) ومعنى "لا تؤبن فيه الحرم"، أي لا تُذكر فيه حرماتُ الناس بسوء، يقال أبَنه إذا ذكره بسوء. والمراد بالحرم هنا أعراضُ الناس، وما يحرِّمون تناوله منهم. ومعنى لا تثنى فلتاته: لا تعاد، مأخوذٌ من التثنية، وهي الإعادة. والفلتاتُ جمع فلتة، وهي الزلة من القول والفعل إذا جرت على غير قصد بغتة. يعني أن أهل ذلك


(١) صحيح البخاري، "كتاب التفسير"، الحديث ٤٨٤٥، ص ٨٥٧؛ "كتاب الاعتصام بالكتاب والسنَّة"، الحديث ٧٣٠٢، ص ١٢٥٦؛ سنن الترمذي، "كتاب تفسير القرآن"، الحديث ٣٢٦٦، ص ٧٥٣.
(٢) انظر في ذلك مثلًا: سُنَنُ أبي دَاوُد، "كتاب الطب"، الحديث ٣٨٥٥، ص ٦٠٨.
(٣) الترمذي: الشمائل المحمدية، ص ١٥١.
(٤) الترمذي: الشمائل المحمدية، الحديث ٣٢١، ص ١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>