للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكذلك يعكس الكائدُ للإسلام وجهَ الاستدلال، فيجعل من ارتداد الداخل في الإسلام دليلًا وهميًّا على عدم صحته. وقد يكون الارتدادُ لمجرد الاستنكاف والسخرية بالإسلام، وحرمة الله توجب الذّبَّ عن دينه في مثل هذا. على أن عدم المؤاخذة به يفضي إلى انحلال الجامعة، كما وقع في ردّة العرب لو لم يؤخذوا بالصرامة.

أمّا حرية الاعتقاد نحو غير الداخلين في الإسلام، فلم يحمل الإسلام أهلَ الملل على تبديل أديانهم، بل اقتنع منهم بالدخول تحت سلطانه، وبدعائهم إلى الدخول في الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.

ومعلومٌ أن الدخولَ تحت سلطان الإسلام ليس متعلِّقًا بالاعتقاد ولا بالعمل، ولكنه راجعٌ إلى حفظ أمن دولة الإسلام؛ إذ الإسلام دينٌ قرينُ دولة. فكان من موجباتِ حفظ بقائه تأمينُه من غوائل الناقمين على ظهوره، قال بعض العلماء: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يُكره أحدًا على اتباعه فأبى المشركون إلّا أن يقاتلوه؛ فنزل قول الله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: ٣٩]. وقد قال الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: ٢٥٦]. (١)

٢ - وأما حرية القول فهي أن يجهر المفكر برأيه، ويصرح بما يراه صوابًا مما يأنس من نفسه أنه يحسن الإصابة فيه، (٢) قال الله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: ١٥٢]. ولا شكّ أن قول العدل تكرهه النفوسُ التي يقمعها


(١) اختلف العلماء في المقصود من هذه الآية اختلافًا جرّ إلى اختلاف في أحكامها ونسخها، والصحيح أنها محكمة، وأن المقصود منها أن لا يُجبَر غيرُ المسلمين على التدين بالإسلام، ولم يُستثن من ذلك إلّا مشركو قريش عند مالك، أو مشركو جميع العرب عند أبي حنيفة والشافعي. - المصنف.
(٢) لأن تكلم الإنسان فيما لَمْ يتعاطَ علمَه، أو في الأمور التي يدق وجْهُ الصواب فيها، ليس من الحرية، بل ذلك يُعَدُّ من التكلم فيما لا يعني، وقد قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٧)} [الأنبياء: ٧]. - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>