للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعتبار المساواة لا يسيرون طويلًا حتى تَجْبَههم سدودٌ لا يستطيعون اقتحامَها كالشيوعيين؛ فقد وقفوا في حدود عجزوا عن تحقيق مبدأ المساواة فيها، كمساواة أبكم لفصيح ومعتوهٍ لذكي. ومن هذا يتّضح القياس، وتظهر المساواةُ الحقة بين الناس، قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (٢٠)} [فاطر: ١٩, ٢٠]، وقال الله تعالى: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤)} [الفرقان: ٤٤].

إذن فالمساواةُ تعتمد توفرَ شروط وانتفاء موانع. فالشريعة التي تبني المساواةَ على اعتبار الشروط والقيود شريعةٌ مساواتُها ضعيفة، والشريعة التي تبني مساواتها على اعتبار انتفاء الموانع شريعة مساواتها واسعة صالحة. ويظهر أن الدعوة الإسلامية بنت قاعدة المساواة على انتفاء الموانع، وشتّان بين قوة تأثير الشرط وتأثير المانع. والشريعةُ التي لا تقيّد المساواة بشيء شريعة مضلِّلة.

فإذا عددنا المساواة في أصول شريعة الإسلام، فإنما نعني بها المماثلةَ بين الناس في مقادير معلومة وحقوق مضبوطة من نظام الأمة، سواء كان الضبط بكليات ومستثنيات منها، أم كان بتعداد مواقع المساواة. فالمساواة في الإسلام تتعلق بثلاثة أشياء: الإنصاف، وتنفيذ الشريعة، والأهلية.

الأول: المساواة في الإنصاف بين الناس في المعاملات، وهي المعبَّر عنها بالعدل، وهو خصلةٌ جليلة جاءت به جميعُ الشرائع، وبيّنت تفاصيلَه بما يناسب أحوالَ أتباعها. وشريعةُ الإسلام أوسعُ الشرائع في اعتبار هذه المساواة، ففي خطبة حجة الوداع: "وإنّ ربا الجاهلية موضوع؛ وإن أول ربًا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب، وأن دماء الجاهلية موضوعة؛ وإن أول دمٍ أبدأ به دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب". (١)


(١) وقد رويت خطبة حجة الوداع باختلافات يسيرة في ألفاظها. انظر في ذلك مثلًا: سنن ابن ماجه، "كتاب المناسك"، الحديث ٣٠٥٥، ص ٤٤٢؛ ابن هشام: السيرة النبوية، ج ٢/ ٤، ص ١٩٠. =

<<  <  ج: ص:  >  >>