للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسفلة، وعبيدًا. وكان العرب يعدون الناس طبقاتٍ ثلاثًا: سادة، وسوقة، وعبيدًا. وكان الفُرس يخصون كلَّ طبقة بخصائص لا تبلغ إليها الطبقةُ التي دونها: سأل رستمُ قائد جيوش الفرس في حرب القادسية زُهرةَ بن حَوِيّة (١) عن الإسلام، فكان من جملة ما قاله زُهرة لرستم: "إن الناس بنو آدم، إخوة لأب وأم. فقال رستم: إنه منذ وَلِيَ أردشيرُ لَمْ يدَع أهلُ فارس أحدًا من السفلة يخرج من عمله، ورأوا أن الذي يخرج من عمله تعدّى طورَه وعادى أشرافه. قال زهرة: نحن خير الناس للناس، فلا نستطيع أن نكون كما تقول، بل نطيع الله في السفلة ولا يضرُّنا مَنْ عصى الله فينا". (٢) وكان العرب يفرقون في الدية بين السادة والسوقة، وفي الاقتصاص في الدماء، ويسمون ذلك بالتكايل، فيقدَّر دمُ السيد أضعافَ دم السوقة. فجاء الإسلام بإبطال ذلك، ففي الحديث: "المسلمون تتكافأ دماؤهم". (٣)

ولم يعتبر الإسلام للطبقات أحكامًا في الأهلية للكمال إلّا في جعل الناس قسمين: أهل الحل والعقد، والرعية. فأهلُ الحل والعقد هم ولاةُ الأمور، وأهل


(١) زُهرة بن حَويّة - بضم الزاي من الاسم الأول وبفتح الحاء وكسر الواو وتشديد الياء من الاسم الثاني - تميمي صحابي، أسلم في آخر حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتُوفِّي سنة ٧٧. - المصنف.
(٢) الطبري: تاريخ الرسل والملوك، ج ٣، ص ٥١٨.
(٣) عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يدٌ على من سواهم يردُّ مشدهم على مضعفهم، ومتسرِّيهم على قاعدهم، لا يقتل مؤمنٌ بكافرٍ، ولا ذو عهدٍ في عهده". سُنَنُ أبي دَاوُد، "كتاب الجهاد"، الحديث ٢٧٥١، ص ٤٤٠؛ وعند النسائي روايتان ثانيتهما بلفظ: "عن أبي حسان الأعرج، عن الأشتر أنه قال لعلي: إن الناس قد تفشَّغ بهم ما يسمعون، فإن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد إليك عهدًا فحدثنا به، قال: ما عهد إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهدًا لم يعهده إلى الناس، غير أن في قراب سيفي صحيفة، فإذا فيها: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، لا يُقتل مؤمنٌ بكافر، ولا ذو عهد بعهده". "سنن النسائي، "كتاب القسامة والقود"، الحديثان ٤٧٥٤ - ٤٧٥٥، ص ٧٦٤ (وتفشَّغ بهم: تفرق بهم وشوش عليهم، أو أدخل عليهم اضطرابًا)؛ وهي كذلك عند الحاكم: المستدرك على الصحيحين، "كتاب قسم الفيء"، الحديث ٢٦٨٠، ج ٢، ص ١٦٧ - ١٦٨. وهو كذلك في سنن ابن ماجه، "كتاب الديات"، الحديث ٢٦٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>