للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقائلون بالعصمة منهم مَنْ يقول: المعصوم هو الذي لا يُمكنُه الإتيانُ بالمعاصي. ومنهم مَنْ يقول: لا يأتي بها بتوفيق الله تعالى له، وتهيئة ما يتوقف عليه الامتناعُ منها، لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف: ١١٠]، مع قوله: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (٧٤)} [الإسراء: ٧٤]. وأيضًا لو كان المعصومُ مسلوبَ الاختيار لمَا استحقَّ على عصمته مدحًا، ولبطل الأمرُ والنهيُ والثوابُ والعقاب.

وعُدَّت أسبابُ العصمة أربعة: أحدها: العدالة، والثاني: حصولُ العلم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات، والثالثُ: تأكدُ ذلك بالوحي الإلهي، والرابعُ: خوفُ المؤاخذة على ترك الأولى والنسيان. فإذا حصلت هذه الأمور، صارت النفسُ معصومة. وقال أبو منصور الماتريدي: "العصمةُ لا تُزيل المحنة، يعني لا تجبر المعصومَ على الطاعة ولا تجيره من المعصية، بل هي لُطفٌ من الله يحمله على فعل الخير ويزجره عن الشر، مع بقاء الاختيار تحقيقًا للابتلاء والاختبار". (١)

والمرادُ بالعصمة العصمةُ من ارتكاب الذنوب، أي المعاصي والذنوب، وهي تنقسم عند الجمهور إلى كبائر وصغائر. وذهب جمعٌ قليل إلى أن الذنوبَ والمعاصي ليس منها صغائر، ونُسب إلى ابن عباس. وهو قولُ القاضي عبد الوهاب المالكي البغدادي (٢) من المالكية، والأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني (٣) والشيخ تقي الدين السبكي من


(١) انظر في ذلك القاري، الملا علي بن سلطان: شرح الفقه الأكبر لأبي حنيفة النعمان، تحقيق مروان محمد الشعار (بيروت: دار النفائس، ١٤١٧/ ١٩٩٧)، ص ١٣٢. وعبارة "يعني لا تجبر المعصوم على الطاعة ولا تجيره من المعصية" من كلام الشارح الملا علي القاري، وليست من كلام الماتريدي.
(٢) هو أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي المالكي، أحد الأعلام. سمع من عمر بن سنبك وجماعة، وتفقه على ابن القصّار وابن الجلاب، ورأى أبا بكر الأبهري. انتهت إليه رئاسةُ المذهب المالكي في العراق. توُفِّيَ بمصر سنة ٤٢٢ هـ. من مؤلفاته كتاب "الإشراف على نكت مسائل الخلاف"، وكتاب "المعونة في نصرة مذهب عالم المدينة"، و"شرح الرسالة" (لابن أبي زيد القيرواني)، وغيرها.
(٣) هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران، الإسفراييني، عالم بالفقه والأصول، كان يلقب بركن الدين، وهو أول مَنْ لُقِّب به من الفقهاء. نشأ في إسفرايين (بين نيسابور وجرجان)، =

<<  <  ج: ص:  >  >>