للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثامنتها: أساليبُ عربية جهلها أقوامٌ فظنوا الكلامَ بها متشابِهًا، وهذا مثل زيادة الكاف في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١]، ومثل قوله تعالى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)} [البقرة: ٧١]، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦)} [فصلت: ٤٦].


= إن رسول الله تُوُفِّيَ قبل أن يفسرها، أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يفسر آية الربا ولا بين المرادَ بها، وإنما أراد - والله أعلم - أنه لم يعم جميعَ وجوه الربا بالنص عليها، للعلم الحاصل أنه - صلى الله عليه وسلم - قد نص على كثير منها". ثم قال بعد أن ساق عدة أمثلة على صور الربا التي بينها الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "فأخبر [عمر]- رضي الله عنه - أن من وجوه الربا ما هو بيِّنٌ لنص النبي - عليه السلام - عليه، وباطنٌ خفيٌّ لعدم النص فيه، وتمنى أن تكونَ جميعُ وجوه الربا ظاهرةً يعلمها بنص النبي - عليه السلام - عليها، ولا يفتقر إلى طلب الأدلة في شيء منها. والله عز وجل لمَّا أراد أن يمتحن عباده ويبتليهم فرق بين طرق العلم، فجعل منه ظاهرًا جليًّا وباطنًا خفيًّا، ليُعلم الباطن الخفي بالاجتهاد والنظر من الظاهر الخفي، فيرفع بذلك الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات". ابن رشد: المقدمات الممهدات، "كتاب الصرف"، ج ٢، ص ١٢ - ١٣. كما عرض الإمام المازري للمسألة ذاتها ووجه قولَ عمر على النحو الآتي فقال: "هذا، والشرع لمَ يستوف النص على كل النوازل، بل ذكر شيئًا ووكل للعلماء إلى الاستنباط منه (كذا في الأصل، والصواب حذف حرف "إلى" فلا حاجة إليه)، كما فعل في النص على تحريم التفاضل في النسيئة. وفي (كذا) الممكن أن يورد لفظًا مستوعبًا لجميع الربويات حتى لا يُتصور فيها اختلاف بين العلماء، ولكنه لم يفعل توسعة على الأمة بالاجتهاد في المسكوت عنه، وليرفع الله درجة الذين أوتوا العلم بالاستنباط من كلامه في الأمور الدالة على مراداته وأحكامه، فقد يجري التخصيص بالصفة هذا المجرى، ويقصد فيه المعنى". المازري، أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي: إيضاح المحصول من برهان الأصول، تحقيق عمار الطالبي (بيروت: دار الغرب الإسلامي، ط ١، ٢٠٠١)، ص ٣٤٥. كما علق المصنف على كلام عمر بن الخطاب موجهًا إياه بما يلي: "والوجه عندي أن ليس مراد عمر أنَّ لفظ الربا مجمل؛ لأنه قابله بالبيان وبالتفسير. بل أراد أن تحقيق حكمه في صور البيوع الكثيرة خفي لم يعمه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتنصيص؛ لأن المتقدمين لا يتوخون في عباراتهم ما يساوي المعاني الاصطلاحية، فهؤلاء الحنفية سموا المخصصات بيان تغيير. وذكر ابن العربي في العواصم أن أهل الحديث يتوسعون في معنى البيان. وفي تفسير الفخر عن الشافعي أن قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] من المجملات التي يجوز التمسك بها، أي بعموميها: عموم البيع وعموم الربا؛ لأنه إن كان المراد جنس البيع وجنس الزيادة لزم بيان أي بيع وأي زيادة، وإن كان المراد كل بيع وكل زيادة فما من بيع إلا وفيه زيادة، فأول الآية أباح جميع البيوع وآخرها حرم الجميع، فوجب الرجوع إلى بيان الرسول - عليه السلام -". تفسير التحرير والتنوير، ج ٣/ ٣، ص ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>