للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٠]، فذكر خلقَ السماء قبل خلق الأرض، ثم قال: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١)} [فصلت: ٩ - ١١]، فذكر في هذه خلق الأرض قبل السماء. وقال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٩٦)} [النساء: ٩٦] {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (٥٦)} [النساء: ٥٦]، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (٥٨)} [النساء: ٥٨]، فكأنه كان ثم مضى. فقال [ابن عباس]: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: ١٠١] في النفخة الأولى، ثم يُنفخ في الصور {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: ٦٨]، {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} عند ذلك ولا يتساءلون، ثم في النفخة الآخرة {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٢٧)} [الصافات: ٢٧، الطور: ٢٥]. وأما قوله: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣)} [الأنعام: ٢٣]، فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم، وقال المشركون: تعالوا نقول: لم نكن مشركين، فخُتِمَ على أفواههم، فتنطق أيديهم، فعند ذلك عُرف أن الله لا يُكْتَمُ حديثا"، إلى آخر الحديث. (١)

وقوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ}، جملةُ حال، أي وهم لا قِبَلَ لهم بتأويله؛ إذ ليس تأويلُه لأمثالهم، كما قيل: "ليس بعشك فادرجي". (٢) ومن هنا أمسك السلفُ عن تأويل المتشابهات غير الراجعة إلى التشريع، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -:


(١) صحيح البخاري، "كتاب التفسير - سورة حم السجدة"، ص ٨٤٩.
(٢) "ليس بعُشِّك فادْرُجِي"، ويروى "ليس أوانَ عشك فادْرُجِي"، مثلٌ يقال فيمن يتعرض لِمَا ليس مِنْ شأنه أو هو غيرُ مؤَهَّل له، كما يُقال في المُطْمَئِنّ في غير وقْتِه فيُؤمَرُ بالجدِّ والحركة. وقد جاء هذا المثل في قول الشاعر:
لَيْسَ هَذَا عُشَّكِ فَادْرُجِي ... وَاْنْقُرِي حَيْثُ مَا شِئْتِ أَنْ تَنْقُرِي

<<  <  ج: ص:  >  >>