للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"أيُّ أرضٍ تُقِلُّنِي، وأيُّ سماء تُظِلني، إن قلت في كتاب الله بما لا أعلم". (١) وجاء في زمن عمر - رضي الله عنه - رجلٌ إلى المدينة من البصرة يقال له صَبيغ بن شريك أو ابن عسل التميمي، (٢) فجعل يسأل الناسَ عن متشابه القرآن وعن أشياء، فأحضره عمر وضربه ضربًا موجِعًا، وكرر ذلك أيامًا فقال: "حسبُك يا أمير المؤمنين، فقد ذهبَ ما كنتُ أجد في رأسي"، ثم أرجعه إلى البصرة، وكتب إلى أبي موسى الأشعري أن يمنع الناس من مخالطته. (٣)

ومن السلف مَنْ تأوَّل عند عروضَ الشبهة لبعض الناس، كما فعل ابن عباس فيما ذكرناه آنفًا، قال ابن العربي في العواصم: "من الكائدين للإسلام الباطنية والظاهرية". (٤)

قلت: أما الباطنية فقد جعلوا معظمَ القرآن متشابِهًا، وتأولوه بحسب أهوائهم. وأما الظاهرية فقد أكثروا في متشابهه، واعتقدوا سببَ التشابه واقعًا. فالأولون دخلوا في قوله: {وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}، والآخرون خرجوا من قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}، أو {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}، فخالفوا السلفَ والخلف. قال ابن العربي في العواصم: "وأصلُ الظاهرية الخوارجُ الذين


(١) ابن كثير: عمدة التفسير، ج ١، ص ٤٥.
(٢) بصاد مهملة وغين معجمة بصيغة الصفة المشبهة، ويحرفه كثير فيقولون ضبيع بضاد معجمة وعين مهملة وبصيغة التصغير. - المصنف.
(٣) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج ٥، ص ٢٣ - ٢٤.
(٤) أورد المصنف كلام ابن العربي مختصرًا وبتصرف، ولعله من المفيد المجيء به كاملًا، قال: "وقد بينا في غير موضع أن الكائدين للإسلام كثير، والمقصرون فيه كثير، وأولياؤه المشتغلون به قليل. فممن كاده الباطنية، وقد بينا جملة أحوالهم. وممن كاده الظاهرية، وهم طائفتان: إحداهما المتبعون للظاهر في العقائد والأصول. الثانية المتبعون للظاهر في الأصول. وكلا الطائفتين في الأصل خبيثة، وما تفرع عنهما خبيث مثلهما. . . وهذه الطائفة الآخذة بالظاهر في العقائد، هي في طرف التشبيه كالأولى في التعطيل". ابن العربي: العواصم من القواصم، ص ٢٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>