للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: لا حكمَ إلا لله(١) يعني أنهم أخذوا بظاهر قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: ٥٧، يوسف: ٤٠ و ٦٧]، ولم يتأولوه بما هو المرادُ من الحكم هنا.

والمرادُ بالراسخين في العلم الذين تمكنوا في علم الكتاب ومعرفة محامله، وقام عندهم من الأدلة ما أرشدهم إلى مراد الله تعالى، بحيث لا تروج عليهم الشبه. وأصلُ الرسوخ في كلام العرب الثبات والتمكُّن، فهم يُحسنون مواقعَ التأويل ويعلمونه. ولذا فقوله: "والراسخون" معطوفٌ على اسم الجلالة، وفي هذا العطف تشريفٌ عظيم، كقوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران: ١٨]. وإلى هذا التفسير مال ابنُ عباس ومجاهد والربيع بن سليمان والقاسم بن عمر، والشافعية، وابن فورك، والشيخ أحمد القرطبي وابن عطية من المالكية. وعلى هذا فليس في القرآن آيةٌ استأثر الله بعلمها. وحكى إمامُ الحرمين عن ابن عباس أنه قال في هاته الآية: "أنا مِمَّنْ يعلم تأويلَه". (٢)


(١) لم أجد هذه العبارة المنسوبة لابن العربي في كتاب "العواصم من القواصم" في نشرتيه الناقصة (لمحب الدين الخطيب) والكاملة (لعمار طالبي).
(٢) انظر حكاية الأقوال في معنى الآية وخاصة ما ذهب إليه ابن عباس ومجاهد والربيع وابن فورك وغيرهم من القول بعطف عبارة "والراسخون" على اسم الجلالة في: القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج ٥، ص ٢٦ - ٢٩. وأحمد القرطبي هو أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي (٥٧٨ - ٦٥٦ هـ) صاحب كتاب الشرح على صحيح مسلم المسمى "المفهم لم أشكل من تلخيص كتاب مسلم". وعلى عكس ما ذكر المصنف متابعة - فيما يبدو - لما حكاه صاحب الجامع لأحكام القرآن، فإن أحمد القرطبي قد مال إلى رأي من قال بالوقف والاستئناف في الآية دون العطف، حيث قال: "وقيل: والراسخون معطوف على الله تعالى، حُكي عن علي وابن عباس، والأول (يعني كون قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} "جملة ابتدائية مستأنفة") أليق وأسلم". القرطبي: المفهم، ج ٦، ص ٦٩٦ - ٦٩٧. وقبل القرطبيين (مفسر القرآن وشارح الحديث) قال ابن عطية: "واختلف العلماء في قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} فرأت فرقة أن رفع {وَالرَّاسِخُونَ} هو بالعطف على اسم الله عز وجل، وأنهم داخلون في علم المتشابه في كتاب الله، وأنهم مع علمهم به {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} الآية. قال بهذا القول ابن عباس، وقال: أنا ممن يعلم تأويله. وقال مجاهد: والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به. وقاله الربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير". =

<<  <  ج: ص:  >  >>