للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتج أصحابُ الرأي الثاني - وهو رأيُ الوقف على اسم الجلالة - بأن الظاهر أن تكون جملة "والراسخون" مستأنَفَةً لتكون معادلًا لجملة: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ}، والتقدير "وأما الراسخون في العلم". أجاب التفتازاني بأن المعادل لا يلزم أن يكون مذكورًا بأن يحذف لدلالة الكلام عليه. (١) واحتجوا أيضًا بقوله تعالى: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}. قال الفخر: "لو كانوا عالمين بتأويله لم يكن لهذا الكلام فائدة، إذ الإيمان بما ظهر معناه أمر غير غريب، وسنجيب عن هذا عند الكلام على هذه الجملة". وذكر الفخر حججًا أخر غير مستقيمة. (٢)


= فحصٍ وتأمل، وردِّ له إلى ظاهرٍ آخر ودليل عقلٍ وما يقوم مقامَ ذلك، مما يكشف المرادَ به، وإن ذلك مما يعلم الله تأويله، ويعلمه أيضًا الراسخون في العلم، وأن الله سبحانه لم ينزل من كتابه شيئًا لا يعرف تأويله، ولا طريق للعرب الذين أنزل عليهم، ولا لهم سبيلٌ إلى العلم به، ولا يجوز أن يكلمهم بما هو سبيله مع قوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: ٣]، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: ٤]، وقوله: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)} [النحل: ١٠٣] في نظائر هذه الآيات الدالة على أنه بلسان العرب، وما تعرفه وتعقله في عادة خطابها، ولا نقول بالوقف على قوله: {إِلَّا اللَّهُ} بل الواو عندنا في قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} واو نسق وعطف، وأن جميع ما رُويَ عن بعض المفسرين وأهل اللغة أنه لا يعرف له تأويلًا، فإنه معروفُ المعنى والتأويل عند غيره، ومما قد كشف الله سبحانه عن المراد بواضح أدلته، وبين براهينه، وإذا ذلك كذلك بكل توهُّمهم أن الله لأنزل في كتابه ما لا يعرفه أهلُ اللغة ولا طريقَ للخلق جميعًا إلى معرفة المراد به" الباقلاني، القاضي أبو بكر ابن الطيب: الانتصار للقرآن، تحقيق محمد عصام القضاة (بيروت: دار ابن حزم، ١٤٢٢/ ٢٠٠١)، ج ٢، ص ٧٦٦ - ٧٧٧.
(١) لم أجد هذا الكلام المنسوب للسعد التفتازاني فيما تيسر لي الاطلاع عليه من مصنفاته المطبوعة (ومنها شرح المقاصد، وشرح العقائد النسفية، والمطول على مختصر التبريزي للمفتاح، وحاشيته على شرح الإيجي لمختصر ابن الحاجب الأصولي). ومن الراجح أن المصنف نقله من حاشية السعد على الكشاف، وهي ما تزال مخطوطة حسب علمي.
(٢) أورد المصنف كلام الرازي بتصرف ولفظه بتمامه: "فهؤلاء الراسخون لو كانوا عالمين بتأويل ذلك المتشابه على التفصيل لما كان لهم في الإيمان به مدح؛ لأن كل من عرف شيئًا على سبيل التفصيل فإنه لا بد وأن يؤمن به. إنما الراسخون في العلم هم الذين علموا بالدلائل القطعية أن الله تعالى عالم بالمعلومات التي لا نهاية لها، وعلموا أن القرآن كلام الله تعالى، وعلموا أنه لا يتكلم بالباطل =

<<  <  ج: ص:  >  >>