(١) أورد المصنف كلام ابن عطية بتصرف واختصار شديدين، ونصه: "وهذه المسألة إذا تؤملت قرب الخلاف فيها من الاتفاق، وذلك أن الله تعالى قسم آي الكتاب قسمين: محكمًا ومتشابها. فالمحكم هو المتضح المعنى لكل مَنْ يفهم كلام العرب لا يحتاج فيه إلى نظر ولا يتعلق به شيء يلبس، ويستوي في علمه الراسخُ وغيره. والمتشابه يتنوع: فمنه ما لا يعلم البتة، كأمر الروح، وآمادِ المغيبات التي قد أعلم الله بوقوعها، إلى سائر ذلك. ومنه ما يُحمل على وجوه في اللغة ومناح في كلام العرب، فيُتأول تأويلَه المستقيم، ويُزال ما فيه مما عسى أن يتعلق به من تأويل غير مستقيم، كقوله في عيسى: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: ١٧١] إلى غير ذلك، ولا يسمى أحد راسخًا إلا بأن يعلم من هذا النوع كثيرًا بحسب ما قُدر له. وإلَّا فمن لا يعلم سوى المحكم فليس يسمى راسخًا. وقوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ}، الضمير عائدٌ على جميع متشابه القرآن، وهو نوعان كما ذكرنا. فقوله {إِلَّا اللَّهُ} مقتضٍ ببديهة العقل أنه يعلمه على الكمال والاستيفاء - يعلم نوعيه جميعًا. فإن جعلنا قوله: {وَالرَّاسِخُونَ} عطفًا على اسم الله تعالى، فالمعنى إدخالُهم في علم التأويل لا على الكمال، بل علمُهم إنما هو في النوع الثاني من المتشابه، وبديهة العقل تقضي بهذا، والكلام مستقيم على فصاحة العرب. . . فالمعنى: وما يعلم تأويل المتشابه إلا الله، والراسخون كلٌّ بقدره وما يصلح له، =