= والراسخون بحال قول في جميعه {آمَنَّا بِهِ}. وإذا تحصل لهم في الذي لا يعلم ولا يتصور عليه تمييزه من غيره، فذلك قدر من العلم بتأويله. وإن جعلنا قوله: {وَالرَّاسِخُونَ} رفعًا بالابتداء مقطوعًا مما قبله، فتسميتهم راسخين يقتضي بأنهم يعلمون أكثرَ من المحكم الذي يستوي في علمه جميعُ مَنْ يفهم كلام العرب، وفي أي شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع؟ وما الرسوخ إلا المعرفة بتصاريف الكلام، وموارد الأحكام، ومواقع المواعظ، وذلك كله بقريحة معدة. فالمعنى: وما يعلم تأويله على الاستيفاء إلا الله، والقوم الذين يعلمون منه ما يمكن أن يُعلم يقولون في جميعه {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}. وهذا القدر هو الذي تعاطى ابن عباس - رضي الله عنهما - ترجمان القرآن، ولا يتأول عليه أنه علم وقت الساعة وأمر الروح وما شاكله. فإعراب "الراسخون" يحتمل الوجهين، ولذلك قال ابن عباس بهما، والمعنى فيهما يتقارب بهذا النظر الذي سطرناه. فأما من يقول إن المتشابه إنما هو ما لا سبيلَ لأحد إلى علمه، فيستقيم على قوله إخراجُ الراسخين من علم تأويله، لكن تخصيصه المتشابهات بهذا النوع غير صحيح، بل الصحيح في ذلك قول من قال المحكم ما لا يحتمل إلا تأويلًا واحدًا، والمتشابه ما احتمل من التأويل أوجهًا، وهذا هو مُتَّبَعُ أهل الزيغ. وعلى ذلك يترتب النظرُ الذي ذكرته. ومن قال من العلماء الحذاق بأن الراسخين لا يعلمون تأويلَ المتشابه، فإنما أرادوا هذا النوع، وخافوا أن يظن أحد أن الله وصف الراسخين بعلم التأويل على الكمال". المحرر الوجيز، ج ١، ص ٤٠٣ - ٤٠٤.