للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه في الدين؛ لأنه لو كان كذلك لم يتصور أن يكون محدثًا، فتعين أن المراد يكون ليس منه أن لا يأوي إليه بوجه. فمَا صِدْقُ "ما ليس منه" أنه أمر ليس من أمر الدين، والمراد بالأمر جنسٌ من أجناس الأفعال ليس موجودًا في الدين، مثل إحداث اعتقاد لا يدخل تحت عقائد السنة، كإحداث القول بأنه لا قدر، والقول بتكفير الصحابة؛ فإن علماء السلف أطلقوا على مَنْ قال بمثل هذه العقائد أنهم أهل البدع والمبتدعة. ومثل إحداث جنس عبادة، كإحداث التعبد بالوقوف في الشمس أو التعبد بتعذيب البدن بالنار أو بالجراحات كما يفعله مجوس الهند، أو إحداث حكم من الأحكام لعمل من أعمال المعاملات.

وليس ذلك العملُ بصالِحٍ للدخول في زمرة أعمال ذلك الحكم، كما لو قال أحدٌ بجواز إحراق مال اليتيم؛ لأن الله تعالى لم ينهنا إلا عن أكله، فإدخال إحراق مال الناس تحت حكم الجواز غلط، فهو بدعة وضلالة ولا يسمَّى اجتهادًا، ولا عُذرَ لصاحبه بخلاف الخطأ عن شبهة في مجال الاجتهاد، فليس ببدعة، ونحن نعرف ذلك بأن نرجع إلى أوصاف الأعمال التي تندرج بسببها في أحد الأحكام الخمسة، بحسب اشتمالها على صفات أمثالها. فمَنْ أحدث من أمر الإسلام ما ليس منه، فهو رد.

ودليلي على هذا التفسير أن الأئمةَ صرَّحوا بأن الحكمَ الثابتَ بالقياس يُقال فيه هو من الدين، (١) مع كونه أمرًا أُحدِث بعد رسول الله، فما قالوا إنه من الدين إلا


(١) قال الشاطبي معرفًا البدعة الحقيقية في مقابل البدعة الإضافية: "إن البدعة الحقيقية هي التي لم يدل عليها دليلٌ شرعي لا من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا استدلال معتبر عند أهل العلم، لا في الجملة ولا في التفصيل، ولذلك سميت بدعة كما تقدم ذكره؛ لأنها شيء مخترع على غير مثال سابق، وإن كان المبتدع يأبَى أن يُنسب إليه الخروج عن الشرع". كتاب الاعتصام، ج ١، ص ١٩٧. وعرف ابن رجب الحنبلي البدعة بقوله: "المراد بالبدعة ما أُحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، أما ما كان له أصل من الشرع فليس ببدعة وإن كان بدعة لغة". نقلًا عن: الواعي، توفيق يوسف: البدعة والمصالح المرسلة: بيانها، تأصيلها، أقوال العلماء فيها (الكويت: مكتبة دار التراث، =

<<  <  ج: ص:  >  >>