للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه شهد له أصل المقيس عليه بالاعتبار، أي بأنه جديرٌ بأن يساويَه في حكمه لمساواته في علة الحكم. وكذلك القولُ في حديث "كل بدعة ضلالة"؛ أي كل بدعة هي إحداثُ جنسٍ من الاعتقادات أو العبادات أو أصل في التشريع ليس راجعًا لأصول الشريعة فهو ضلالة. والضلالةُ ضدُّ الهداية، وهي في عرف الشرع المعاصي، فالمكروهُ ليس بضلالة.

وعلى هذا التقرير فلفظُ البدعة جارٍ على أصل معناه اللغوي، كما هو الظاهر، ويكون من العام المخصوص، ومخصصاتُه الأدلةُ الكثيرة الدالة على أن كثيرًا من الأفعال التي أحدثها المسلمون بعد رسول الله هي واجبةٌ أو مندوبة أو مباحة أو مكروهة. (١)

ولا يصح أن يكون واحدٌ من هذه الأحكام الأربعة ضلالة، أو يكون من العام الذي أريد به الخصوص، أي كل بدعة جنس ليس من أجناس عبادات الإسلام أو اعتقاداته أو معاملاته. وتكون قرينةُ إرادة الخصوص الأدلةُ الكثيرة الدالة على وجوب أو استحسان أفعال كثيرة حدثت بعد الرسول، أو على كراهية أفعال دون أن تكون ضلالة. وإن كان لفظُ البدعة قد نُقل في اصطلاح الشرع إلى اختراع المحرمات المنافية لِمَا جاء به الدين كما ذهب إليه الشاطبي، (٢) كان من


= ١٤٠٤/ ١٩٨٤)، ص ١٠٥. وقال البدر العيني: "والبدعة في الأصل إحداثُ أمرٍ لم يكن في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم البدعة على نوعين: إن كانت مما يندرج تحت مستحسن في الشرع فهي بدعة حسنة، وإن كانت مما يندرج تحت مستقبح في الشرع فهي بدعة مستقبحة". العيني، بدر الدين أبو محمد محمود بن أحمد: عمدة القاري "شرح صحيح البخاري، نشرة بعناية عبد الله محمود محمد عمر (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٢١/ ٢٠٠١)، ج ١١، ص ١٧٨ (كتاب التراويح).
(١) وعلى هذا التقدير جرى القرافي في تفصيل القول في معنى الأعمال المبتدعة وأقسامها وتنزيلها حسب الأحكام التكليفية الخمسة. انظر في ذلك: كتاب الفروق، ج ٤، ص ١٣٣٣ - ١٣٣٥ (الفرق الثاني والخمسون والمائتان). وسيذكر المصنف تفاصيل كلام القرافي فيما بعد.
(٢) قال الشاطبي: "ولمَّا كانت الطرائقُ في الدين تنقسم؛ فمنها ما له أصلٌ في الشريعة ومنها ما ليس له أصلٌ فيها، خُصَّ منها ما هو المقصود بالحد (أي تعريف البدعة المذكور في الحاشية قبل الأخيرة) =

<<  <  ج: ص:  >  >>